فالجنة لا تُدْرَك بالتمني، وإنما تُدْرَك
بالعمل الصالح وركوب المشاق في الدنيا من الأعمال الصالحة: بالجهاد في سبيل الله،
بالصيام، بقيام الليل، بالإنفاق. فالجنة غالية؛ كما في الحديث، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، إلاَّ إِنَّ سِلْعَةَ
اللهِ الجَنَّةُ» ([1]).
فهي
لا تُدْرَك بالأماني، أو أن الإنسان يَحكم لنفسه بأن له الجنة؛ كما قال اليهود
والنصارى: ﴿وَقَالُواْ
لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ
أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [البقرة: 111]، وقال سبحانه وتعالى عن اليهود والنصارى: ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا
أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾
[البقرة: 135]، وقال سبحانه وتعالى على لسان الكافر: ﴿وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا﴾ [الكهف: 36] إنه يضمن لنفسه أنه سيكون من أهل الجنة.
فالإنسان
لا يَجزم لنفسه بالجنة، مهما بلغ من العمل، ومهما بلغ من الطاعة والتقوى، فإنه
يخاف ولا يَجزم بأنه من أهل الجنة، وإنما التوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.
والعمل
ليس ثمنًا للجنة، وإنما هو سبب لدخول الجنة. والباء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ
ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ
بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ليست باء الثمنية
والعِوَض، ولكنها باء السببية، أي: بسبب ما كنتم تعملون.
وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه - قال: ««لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2450)، والحاكم رقم (7851)، والبيهقي في «الشعب» رقم (10092).