﴿وَيَذَرُونَ
وَرَآءَهُمۡ﴾ أي: ويتركون وراءهم ﴿يَوۡمٗا ثَقِيلٗا﴾، وهو يوم القيامة. فهم يحاولون مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن شيء من الدين وعن الأوامر والنواهي،
ويقولون: «إن هذا تشدد»، كما يقال الآن.
ولهذا
قال سبحانه وتعالى مستدلًّا على البعث: ﴿نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ﴾: في البداية، ﴿وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ﴾:
قَوَّيْنَا وأَحْكَمْنا خَلْقهم، ﴿وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا﴾:
بعثناهم بعد الموت على شكل آخر غير شكلهم في الدنيا.
فالذي
يَقْدِر على البداية يَقْدِر على الإعادة من باب أَوْلى. هذا من الأدلة على البعث،
إن الذي أنشأهم من الأول لهو قادر على أن يعيدهم.
ثم
قال سبحانه وتعالى واصفًا هذه السورة بجملتها: ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ﴾: لِما
فيها من العظات والذِّكر، ولِما فيها من وصف أهل الجنة، ووصف أهل النار، وحالة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة للكفار.
﴿إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ﴾: فهي سورة
يتذكر بها مَن له قلب، ويعتبر بها مَن له رغبة في الآخرة. بخلاف الذين يحبون
العاجلة ويَنْسَون الآخرة.
﴿فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا﴾:
في هذه الآية سر عظيم!!
فأنت
تقوم بالعمل؛ لأنه أعطاك القدرة، وأعطاك المشيئة وأعطاك الاختيار، ولم يجبرك كما
تقول الجبرية، بل أعطاك الاختيار.
فأنت
الذي تؤمن وأنت الذي تكفر، وأنت الذي تطيع وأنت الذي تعصي، باختيارك.
ولو
أن أحدًا أجبرك، صِرْتَ مُكْرَهًا، والمكره لا يُؤاخَذ. لكن أنت باختيارك
وبإرادتك، وبطوعك تُقْدِم على العمل: إما خيرًا وإما شرًّا.
فإذا سألك أحد: هل العبد مُسَيَّر أم مُخَيَّر؟