فالذي قَدَر على خلقكم وجعلكم أزواجًا، ألاَّ
يَقْدِر على بعثكم؟! بلى، هو قادر على ذلك من باب أَوْلى.
﴿وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا﴾،
أي: وجعلنا نومكم بالليل سُبَاتًا مريحًا، تنقطع فيه الحركات وتسكن المخلوقات
وتهدأ الأصوات، وأصل «السَّبْت» هو: القطع، فالسُّبَات تنقطع فيه الحركات
والأشغال؛ لأجل أن ترتاحوا في نومكم ثم تقوموا من نومكم. فالنوم موتة صغرى،
والقيام منه بَعْث، فالذي قدر على هذا يقدر على البعث الأكبر.
﴿وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا﴾،
يغطيكم بسواده، فيستركم كما يستركم اللباس الذي تلبسونه. ولذلك إذا جاء الظلام
وأرخى سدوله على الكون، لا ترى هذا ولا هذا، فيحصل بذلك الراحة والطُّمأنينة، فظلام
الليل منه نعمة للناس، وهذا برهان على قدرة الله سبحانه وتعالى، فالذي جعل الليل
لباسًا أليس قادرًا على البعث؟!
ثم
قال جل جلاله: ﴿وَجَعَلۡنَا
ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا﴾، النهار تتحركون فيه لطلب الرزق، وطلب المعاش
وطلب المصالح. فلم يجعل سبحانه وتعالى الليل دائمًا، فتنقطع أشغالكم، ولم يجعل
النهار دائمًا فلا تستريحون، بل إنه سبحانه وتعالى داول بينهما، قال عز وجل: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن
جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ
إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ٧١ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا
إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [القصص: 71- 72].
وانظر
كيف عَبَّر عن الليل بالسمع؛ لأن الليل يسري فيه الصوت أكثر، فسلطان السمع فيه
أقوى!!