وهذه المخلوقات لها أجل تنتهي عنده؛ ولهذا قال: ﴿فَإِذَا جَآءَتِ
ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ﴾، عندها تقوم الساعة وتنتهي الدنيا
بما فيها.
وسميت
﴿ٱلطَّآمَّةُ﴾
لأنها التي تَطم ما عداها من الدواهي وتغطي ما عداها من الهول، فلا شيء أكبر منها،
وعند ذلك يَعرف كُلٌّ مصيره ويتذكر ما قَدَّم لهذا اليوم.
﴿يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ﴾،
يتذكر الإنسان يوم القيامة ما سعى في الدنيا وماذا فَعَل! فيُعْرَض عليه الكتاب
الذي سُجِّل فيه كل ما صَدَر منه، حينئذٍ يتذكر أعماله التي أسلفها في الدنيا، من
خير أو شر.
فانتبِه
لهذا الموقف، واستعِد له واحسِب له حسابه حتى لا تقول: ﴿يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: 24].
وفي
هذا اليوم تظهر النار والجنة للعِيان بعد ما كانتا من علم الغيب؛ ولهذا قال: ﴿وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ
لِمَن يَرَىٰ﴾ أمام الناس، فيرونها أمامهم بارزة تتلظى، ولا نجاة منها
إلاَّ بالعمل الصالح! فتَذَكَّرْ هذا المشهد.
ثم
عندما تبرز الجحيم، فإن الناس ينقسمون إلى قسمين ذكرهما الله بقوله: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧ وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ
ٱلدُّنۡيَا ٣٨ فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ
ٱلۡمَأۡوَىٰ ٣٩ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ
ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾.
قال
عز وجل: ﴿فَأَمَّا
مَن طَغَىٰ﴾، أي: في الدنيا، ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ﴾ بأن تَكَبَّر على الله سبحانه
وتعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الناس.
﴿وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا﴾،
فانشغل بالدنيا ومتاعها، وأفنى حياته كلها في جمع الدنيا، ونَسِي الآخرة ولم
يُقَدِّم لها.
﴿فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾،
ليس له غيرها يأوي إليها.
ثم قال عز وجل: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ﴾، أي: خاف قيامه بين يدي ربه، فاستعد لذلك. ﴿وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ﴾، أَمْسَك نفسه، فلم تجمح