لا
يَسأل عن أقرب الناس إليه، فلو رأى قريبه أو أباه أو أمه، أو أخاه أو ابنه؛ فإنه
لا يستطيع أن يساعده، ولا أحد يستطيع أن يساعد الآخَر، بل يفر منه لأنه لا يَقدر
على مساعدته ولأنه واقع في كرب عظيم!!
﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ﴾،
وبدأ سبحانه وتعالى بأخيه قبل أبيه وأمه، وصاحبته وهي زوجته؛ لأن الأخ هو الذي
يساعد أخاه عند الشدائد، ففي هذا اليوم لا يستطيع أحد أن يساعد أخاه لأبيه وأمه،
فالإنسان في الدنيا قويٌّ بإخوانه، ولكنهم في الآخرة ليس لهم مفعول.
إذًا:
ما بقي لأحد مَن ينجده في هذا اليوم أو يرحمه أو يعطف عليه في هذا اليوم!
حتى
الأنبياء وأولو العزم، إذا اشتد الكرب بأصحاب الموقف والمحشر، وجاء أهل المحشر
إليهم يطلبون الشفاعة عند الله سبحانه وتعالى؛ ليريحهم من شدة الموقف - كُلٌّ منهم
يقول: «نفسي، نفسي»، حتى إن عيسى عليه السلام يقول: «نفسي، نفسي، لا أسالك أمي
مريم».
حتى
ينتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الشفاعة، لا من أجل أن ينجوا من
النار ويدخلوا الجنة، بل من أجل فقط أن ينصرفوا من موقف المحشر وأن يُحاسَبوا
ويستريحوا من الموقف!! هذا مطلبهم.
فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أَنَا لَهَا»، ثم يأتي صلى الله عليه وسلم ويخر ساجدًا بين يدي ربه سبحانه وتعالى، ولا يزال ساجدًا يدعو ربه ويثني عليه ويحمده، حتى يقال له: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ». فيأذن الله سبحانه وتعالى له بالشفاعة، فحينئذٍ يشفع صلى الله عليه وسلم في أن يريح الله البشر من المحشر وأن يحاسبهم، وكُلٌّ يذهب إلى مقره في الجنة أو النار، فيَقبل الله سبحانه وتعالى شفاعته صلى الله عليه وسلم ([1]).
([1])أخرجه: البخاري رقم (3340)، ومسلم رقم (327).