﴿وَمِزَاجُهُۥ﴾،
أي: هذا الرحيق المختوم يخلط ﴿مِن تَسۡنِيمٍ﴾،
أي: من عين مرتفعة، من التسنيم، وهو الارتفاع، فتُصَبّ من أعلى الجنة.
ثم
فَسَّر سبحانه وتعالى هذا التسنيم بقوله عز وجل: ﴿عَيۡنٗا﴾، تنبع من
أعلى الجنة، ﴿يَشۡرَبُ
بِهَا﴾، أي: يشرب منها، ﴿ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾.
لأن
المؤمنين على ثلاث طبقات:
الطبقة
الأولى: الظالمون لأنفسهم، الذين هم أصحاب الكبائر التي دون
الشرك، فهؤلاء إما أن يتوب الله سبحانه وتعالى عليهم، أو أنهم يُعَذَّبون في النار
بقدر جرائمهم ثم إنهم يدخلون الجنة، فلا تَزال معهم صفة الإيمان. فالظالمون
لأنفسهم خلطوا أعمالاً صالحة وأعمالاً سيئة.
الطبقة
الثانية: - وهم الأبرار - وهي فوق طبقة الظالمين لأنفسهم،
والأبرار هم: الذين تركوا السيئات وعملوا الطاعات، فاقتصدوا واقتصروا على ذلك، قال
عز وجل: ﴿ثُمَّ
أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ
ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ
بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ﴾
[فاطر: 32]، والمقتصد هو: الذي يقتصر على فعل الطاعات وتَرْك المحرمات.
الطبقة
الثالثة: المقربون - وهي: الطبقة العليا - وهم: الذين تركوا
المحرمات والمكروهات، وفعلوا الواجبات والمستحبات.
ولما انتهى سبحانه وتعالى من ذكر المؤمنين بطبقاتهم ومنازلهم، ذَكَر الكفار والمجرمين، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ﴾، وهم الكفار، ﴿كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾، في الدنيا، ﴿مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ﴾، أي: ينتقصونهم، ويقولون: هؤلاء مغفلون! هؤلاء سطحيون! هؤلاء يعيشون في العصور الوسطى! هؤلاء ظلاميون! وغير ذلك من الألفاظ الذميمة التي تعج بها بعض الصحف والقنوات الفضائية اليوم.