قال
عز وجل: ﴿فَلۡيَنظُرِ
ٱلۡإِنسَٰنُ﴾، أي: كل إنسان، ﴿مِمَّ خُلِقَ﴾، من أي شيء خُلِق؟ فالإنسان مخلوق وموجود بعد أن لم
يكن، فمِن أي مادة خُلِق هذا الإنسان؟ أي: مِن أي شيء خلقه الله سبحانه وتعالى وما
هو أصله؟ هذا الإنسان الذي يفسق ويطغى، ويظلم، ويتجبر، ولا يتذكر أصله ولا يتفكر
من أين وُجد، حتى يَعرف قدر نفسه ويَعرف ضعفه؟!
فهو
﴿خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ﴾، أي: من المَنِيّ، وهذا في بني آدم. أما آدم عليه السلام
فإنه خُلِق من تراب، وذريته خُلِقت من ماء دافق، يَدْفُِق بقوة.
ثم
بَيَّن عز وجل من أين يَخرج هذا المني الدافق، فقال عز وجل: ﴿يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ
ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ﴾،
هذا الماء يَخرج من بين صُلْب الرجل، وترائب المرأة وهي عظام صدرها. فهذا الماء
يتكون من ماءين: ماء الرجل وماء المرأة، قال عز وجل: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ
فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا﴾
[الإنسان: 2]، ﴿نُّطۡفَةٍ
أَمۡشَاجٖ﴾ أي: مختلطة من الماءين: ماء
الرجل وماء المرأة.
ثم
يتحول هذا الماء إلى علقة - أي: دم - أربعين يومًا، ثم يتحول هذا الدم إلى مضغة،
وهي قطعة اللحم، وهذه المضغة تُصَوَّر بإذن الله، ويتبين عليها خَلْق هذا الإنسان
وتخطيط هذا الإنسان، ثم إنه في الأربعين الرابعة تُنفخ فيه الرُّوح فيتحرك، ثم بعد
ذلك تضعه أمه جنينًا.
فهذه هي أطوار الإنسان؛ كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ،: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» ([1]).
([1])أخرجه: البخاري رقم (3208).