ثم
ذكر سبحانه وتعالى وصفًا آخر جليلاً عظيمًا، فقال عز وجل: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ﴾،
فلا أحد يَخلق غير الله سبحانه وتعالى، فهو المتفرد بالخلق والإيجاد.
فقوله
عز وجل: ﴿ٱلَّذِي
خَلَقَ﴾، أي: أوجد الأشياء من عدم، ﴿فَسَوَّىٰ﴾، عدل المخلوقات ووازنها، وجعل كل شيء فيها سويًّا في
خلقته وأعضائه وجسمه، فجعله متوازنًا متعادلاً، لا نقص فيه.
﴿وَٱلَّذِي قَدَّرَ﴾،
أي: أنه سبحانه وتعالى قَدَّر الأشياء كلها، فكل شيء بمقدار، لا يَزيد ولا ينقص عن
مقداره، قال عز وجل: ﴿ٱللَّهُ
يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ
وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ﴾
[الرعد: 8]، وقال عز وجل: ﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ
وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا﴾ [الفرقان: 2].
فالله
سبحانه وتعالى قَدَّر الأشياء بمقاديرها، وأحجامها وأوزانها، لا تفاوت في ذلك؛
لأنها صنعة حكيم عليم سبحانه وتعالى.
﴿فَهَدَىٰ﴾، أي: دل
كل مخلوق على أداء مصالحه ومنافعه دون أن يُعَلَّم من أحد، بل إنه بفطرته يَستدل
على مصالحه ومنافعه!!
فتجد
المولود - سواء كان إنسانًا أو حيوانًا - أول ما يَبحث، يبحث عن الثدي؛ لأن الله
سبحانه وتعالى هداه إلى ذلك، أي: دله هداية دلالة وإرشاد، دون أن يُعَلِّمه أحد!
فالمولود بمجرد أن يَخرج إلى الدنيا يبحث عن ثدي أمه.
وكذلك دل الذكور على الإناث، فذكور الأغنام تذهب إلى إناثها، وذكور الخيل وذكور الحَمير، كل شيء يذهب إلى جنسه وإلى إناثه، ولا أحد يُعلِّمها ويدربها على ذلك!! هذا كله بهداية الله لها.