القول
الثاني: أنه لا تخلو الذكرى من مستمع وقابل لها، وإن كثر
الإعراض، فإنه يوجد في الناس مَن يَقبل الذكرى.
ولهذا
قال عز وجل: ﴿سَيَذَّكَّرُ
مَن يَخۡشَىٰ﴾، أي: الذي يخشى الله سبحانه
وتعالى.
وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «فَوَاللَّهِ
لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ
لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ([1]).
فعليك
أن تُذكِّر، ولو لم ينتفع بتذكيرك إلاَّ القليل، ولو كان فردًا واحدًا.
قال
عز وجل: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا
ٱلۡأَشۡقَى﴾، أي: أنه لا يتجنب الذكرى
إلاَّ الذي اشتدت شقاوته، ولكن هذا لا يهمنا، بل يهمنا مَن ينتفع بها ومَن يَقبل،
ولو كان قليلاً. أما هؤلاء فنحن قد أقمنا الحُجة عليهم، وأَمْرهم إلى الله سبحانه
وتعالى، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ﴾
[الحجر: 95].
فأنت
قد أديتَ ما عليك، وحسابهم على الله سبحانه وتعالى، وأنت لا تملك هداية القلوب،
إنما يملكها الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن
يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾
[القصص: 56].
فهداية التذكير مطلوبة للجميع، وأما هداية التوفيق والقَبول فهذه لا يملكها إلاَّ الله سبحانه وتعالى. فالهداية هدايتان: هداية تعليم وتذكير ودعوة، وهداية توفيق وانتفاع، وهذه لا يَقدر عليها إلاَّ الله سبحانه وتعالى. ثم بَيَّن عز وجل ماذا تكون عاقبة المُعْرِض، فقال عز وجل: ﴿ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ﴾ عاقبته النار الكبرى، هي نار جهنم، وهي أكبر من نار الدنيا. وبَيَّن عز وجل حاله في النار، فقال عز وجل: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ﴾، لا يموت فيستريح، ولا يحيا فيها حياة مريحة - أيضًا -، بل يكون
([1])أخرجه: البخاري رقم (3009).