وأما
البلاغ والبيان فهذان على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الله سبحانه
وتعالى له: ﴿لَّسۡتَ
عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ﴾،
فالسيطرة عليهم لله. وأما التذكير والبيان والبلاغ، فهذا من وظيفة الرسول صلى الله
عليه وسلم، وقد بَلَّغ البلاغَ المبين، وتَرَك أمته على المَحَجَّة البيضاء، ليلها
كنهارها ([1])،
وما قَصَّر في شيء، صلى الله عليه وسلم.
﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ﴾،
﴿إِلَّا﴾، بمعنى: «لكنْ»، فهو استثناء منقطع، ليس استثناء مما سبق،
وإنما هو استئناف كلام، أي: لكن مَن تولى عن قَبول النصيحة والبلاغ، وكَفَر بالله
سبحانه وتعالى.
﴿فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ﴾، وهو عذاب النار؛ لأن العذاب في القبر هو العذاب
الأدنى، وأما العذاب الأكبر فهو في الآخرة، قال عز وجل: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ
ٱلۡأَكۡبَرِ﴾، أي: في القبر، أو في
الدنيا، ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم
مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ
يَرۡجِعُونَ﴾ [السجدة: 21].
﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ﴾؛
بسبب أنه تولى وكفر، وبسبب أنه لم يستمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكَفَر
بالله عز وجل، فهو الذي سَبَّب على نفسه الشقاء بما كسبت يداه!!
ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ
إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ﴾،
أي: رجوعهم إلينا يوم القيامة.
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم﴾، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ﴾ [الرعد: 40]، فالحساب عند الله عز وجل، هو الذي يحاسب عباده المطيعين والعاصين يوم القيامة، فيجزي المحسنين بإحسانهم، ويجزي المسيئين بإساءتهم، وهذا عَدْل منه سبحانه وتعالى وفَضْل. قال عز وجل: ﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا﴾ [الكهف: 49]، فلا يُعَذِّب أحدًا بغير عمله
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (43)، وأحمد رقم (17142)، والحاكم رقم (331).