و﴿يَتَزَكَّى﴾، أي: ينفقه في طاعة الله سبحانه وتعالى، ويبذله لغيره
لا لنفسه.
﴿ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّى﴾،
بخلاف الذي كَذَّب وتولى، واستغنى عن الله سبحانه وتعالى. فهذا الأتقى يؤتي ماله لا
من أجل الرياء والسمعة، ولا من أجل الإسراف والبذخ، ولا للشهوات المحرمة؛ بل
يَتطهر به من الذنوب والمعاصي، ومن الشح والبخل.
قال
عز وجل: ﴿وَمَا
لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ﴾، أي: ما ينفق المال على مَن لهم معروف عليه من باب
المكافأة لهم، بل إنه ينفق المال لوجه الله سبحانه وتعالى، بل إنه ربما لا يعرفهم
لكن يعطيهم، فيُحْسِن إليهم وليسوا من أقاربه، بل إنهم ربما لا يكونون من بلده ولا
من جنسه، وإنما هم من بني آدم المحتاجين.
قال
عز وجل: ﴿إِلَّا
ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَى﴾،
﴿إِلَّا﴾، بمعنى «لكنْ»، أي: لكنْ يؤتي ماله ابتغاءَ وجه ربه
الأعلى، لا إرضاء للناس ولا تملقًا، وإنما يبتغي به وجه الله سبحانه وتعالى،
وطمعًا في رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، والسعادة بلقاء الله جل جلاله.
قالوا:
نزلت هذه الآية في أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه؛ لأنه أعظم المحسنين في هذه
الأمة، ومَواقفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الغزوات وعلى المحتاجين وفي
عتق الرقاب - أمر معروف، ولا يسبقه أحد في الخير رضي الله عنه؛ ولذلك حاز لقب
«الصِّديق».
وهذا
القول وإن كان حقًّا، ويَدخل فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من باب أَوْلى،
إلاَّ أنه ليس خاصًّا به، بل إنه عام لكل مَن اتصف بهذه الصفة العظيمة، وتَغَلَّبَ
على نفسه وتَغَلَّبَ على حب المال، وأنفقه في طاعة الله وفي مرضاته وابتغاء وجهه
سبحانه وتعالى، هذا الذي حاز هذه الكرامة، وهذا الذي سيُجَنَّب النار يوم القيامة.