لم
يكونوا ﴿مُنفَكِّينَ﴾، أي: منتهين عما هم عليه من الباطل، فكُلٌّ يَدَّعِي
أنه على الحق.
﴿حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ﴾،
أي: حتى يأتيهم الوحي الذي يبين لهم المخطئ من المصيب، وهو القرآن الكريم، فهو
البينة؛ ولهذا فسرها سبحانه وتعالى بقوله: ﴿رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ﴾،
أي: رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ﴾، مطهرة من الشياطين، وهي القرآن.
﴿فِيهَا كُتُبٞ﴾:
هذه الصحف فيها كتب، ﴿قَيِّمَةٞ﴾، مكتوب فيها القرآن العظيم، وهي مطهرة من الشياطين، قال
عز وجل: ﴿لَّا
يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ﴾
[الواقعة: 79]، وهم الملائكة، أما الشياطين فلا تقربه ولا تطيقه.
ثم
قال عز وجل: ﴿وَمَا
تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾،
وهم: اليهود والنصارى، ولم يتفرقوا عن جهل، بل أنزل الله عليهم التوراة والإنجيل،
ومع هذا تفرقوا مع كتبهم، فطبيعتهم التفرق -والعياذ بالله-؛ لأنهم يتبعون أهواءهم
ولا يتبعون كتاب الله سبحانه وتعالى، فهذا شأنهم.
﴿إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ﴾، أي: إلاَّ بعد ما أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم
التوراة والإنجيل وبَعَث إليهم رسله، ومع هذا تفرقوا.
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ. وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» ([1]).
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4596)، وابن ماجه رقم (3992)، والطبراني في «الكبير» رقم (129).