فلا
يُستغرب أن أهل الكتاب قد اختلفوا على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا
اختلاف من الأصل، قال عز وجل: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ
ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ﴾، على ألسن
رسلهم، فاختلفوا وتفرقوا؛ لأنهم يتبعون أهواءهم، قال عز وجل: ﴿فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ
لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ
ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [القصص: 50].
﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ﴾،
أي: وما أُمِر جميع الخلق من أهل الكتاب وغيرهم، ﴿إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ﴾،
فجميع الرسل - وإن اختلفت شرائعهم - دينهم واحد، وهو التوحيد، الذي هو إفراد الله
سبحانه وتعالى بالعبادة.
﴿مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾،
مخلصين له الدين من الشرك. والعبادة تسمى دينًا.
﴿حُنَفَآءَ﴾،
جمع: حنيف، و«الحنيف» هو: المائل عن الباطل والمقبل على الحق؛ كخليل الله إبراهيم
عليه السلام، قال عز وجل: ﴿إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾
[النحل: 120]؛ ولهذا تسمى ملة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالحنيفية لأنها
توحيد.
﴿وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ﴾، نَصَّ سبحانه وتعالى على الصلاة والزكاة مع أنه أَمَر
بإخلاص الدين وعلمًا بأن الصلاة والزكاة داخلان في الدين؛ لأهمية الصلاة والزكاة؛
لأنهما يبعثان على الأعمال الصالحة، قال عز وجل ﴿ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ
إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ
أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ﴾
[العنكبوت: 45]، والزكاة تُطَهِّر الإنسان من الشُّح والبخل.
فمَن حافظ على الصلاة حافظ على دينه، ومَن أدى الزكاة أدى بقية الحقوق؛ لأنها تدربه على الخير. والصلاة عبادة بدنية والزكاة عبادة مالية، فمَن أقام الصلاة وأدى الزكاة أقام الدين من باب أَوْلى.