لأَِنَّهَا لَوْ كَانَتْ
مِنَ الْفَاتِحَةِ؛ لَكَانَتِ السُّنةُ الْجَهَرَ بِهَا، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ
آيَاتِ السُّورَةِ بَعِيدٌ عَنِ الْقِيَاسِ، بِخِلاَفِ مَا لَيْسَ مِنَ
السُّورَةِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ لأَِجْلِهَا، وَلأَِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ
أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ؛ لَكَانَتْ مِنْ أَوَّلِ سَائِرِ السُّوَرِ؛ لأَِنَّهَا
سُورَةٌ مِنَ السُّوَرِ، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ
غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنَ
الْقُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ:
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «حَدِيثٌ حَسَنٌ». قَالَ أَصْحَابُنَا: وَقَدْ
أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّهَا ثَلاَثُونَ آيَةً بِدُونِ التَّسْمِيَةِ، فَلَوْ
كَانَتْ مِنْهَا؛ لَكَانَتْ آيَةً، وَكَانَتْ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ، وَلأَِنَّ
النَّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ ثَلاَثُ آيَاتٍ، وَلَوْ كَانَتْ
مِنْهَا؛ لَكَانَتْ أَرْبَعَ آيَاتٍ، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ، وَالتَّابِعِينَ،
وَسَائِرَ الأُْمَّةِ يُسَمُّونَ حُرُوفَ الْهِجَاءِ فَوَاتِحَ السُّوَرِ،
وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَلَوْ كَانَتِ
الْبَسْمَلَةُ أَوَّلَ آيَةٍ مِنَ السُّوَرِ لَمَا صَحَّ، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ
-رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- كَتَبُوهَا فِي الْمُصْحَفِ سَطْرًا مَفْصُولاً عَنِ
السُّورَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا؛ لَخَلَطُوهَا فِي سَائِرِ آيَاتِهَا
كَغَيْرِهَا.
وَمَعَ هَذَا فَلاَ تَخْتَلِفُ النُّصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ، إِلاَّ فِي سُورَةِ النَّمْلِ، فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ، وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا فَقَدْ أَسْقَطَ مِائَةً وَثَلاَثَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَهِيَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهَا؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَتَبُوهَا فِي الْمُصْحَفِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ، مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِتَجْرِيدِهِ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، حَتَّى عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنَ التَّعْشِيرِ، وَالتَّخْمِيسِ، وَالنَّقْطِ، [وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ]، وَغَيْرِ ذَلِكَ.