فَصْلٌ
فَأَمَّا
الْقِرَاءَةُ فِي حَالِ إِسْرَارِ الإِْمَامِ: فَتُسْتَحَبُّ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ
مَشْغُولٍ عَنْهَا بِاسْتِمَاعٍ، وَلاَ يُشْغِلُ غَيْرَهُ عَنِ الاِسْتِمَاعِ،
وَالسُّكُوتُ فِي الصَّلاَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلأَِنَّ تِلاَوَةَ الْقُرْآنِ
فِي الصَّلاَةِ مِنْ أَفْضَلِ الأَْعْمَالِ؛ فَهِيَ أَوْلَى بِالاِسْتِحْبَابِ
مِنْ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّ الإِْمَامَ إِذَا أَسَرَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ
يَقْرَأُ لِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلاَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنِ الْمَأْمُومِ
حَتَّى يَقْرَأَ لِنَفْسِهِ، وَالْقِرَاءَةُ فِي حَالِ الْجَهْرِ إِنَّمَا
جَاءَتْ؛ لأَِنَّهَا تُشْغِلُ عَنِ الاِسْتِمَاعِ، وَتُوجِبُ مُنَازَعَةَ
الإِْمَامِ، وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي الإِْسْرَارِ، وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ
حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ فَقَرَأَ رَجُلٌ
خَلْفَهُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «أَيُّكُمْ
قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: «قَدْ
عَرَفْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ
يَنْهَهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ كَمَا نَهَى عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَهُ فِي حَالِ
الْجَهْرِ، وَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ قَوَّى قِرَاءَتَهُ حَتَّى صَارَ يُنَازِعُ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَإِلاَّ مُجَرَّدُ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ فِيهَا
مُنَازَعَةٌ، كَمَا لاَ مُنَازَعَةَ فِي تَسْبِيحَتَيِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ،
وَالتَّشَهُّدَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَغَيْرِهِمُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ
الإِْمَامِ بِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ فِي حَالِ
جَهْرِ الإِْمَامِ.
فَأَمَّا كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ مَعَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ فَبَعِيدٌ.
الصفحة 1 / 279