وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم جَعَلَ الْفَاتِحَةَ هِيَ الصَّلاَة، وَقِسْمَتَهَا قِسْمَتَهَا،
فَإِذَا لَمْ يَقْرَأ الْفَاتِحَةَ لَمْ تَبْقَ الصَّلاَةَ الْمَقْسُومَةَ، فَلَمْ
تَبْقَ صَلاَةً أَصْلاً؛ لأَِنَّهُ أَخْبَرَ بِقِسْم مُسَمَّى الصَّلاَةِ،
وَلأَِنَّ الْفَاتِحَةَ اخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهَا أُمَّ الْقُرْآنِ،
وَفَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعَ الْمَثَانِيَ، وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ،
وَلأَِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلاَ فِي الإِْنْجِيلِ، وَلاَ فِي
الزَّبُورِ، وَلاَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا، فَلَمْ يَجُزْ إِلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا،
وَالْقُرْآنُ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ كَلاَمَ اللهِ، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ
بَعْضٍ، كَمَا أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ﴾ [الإخلاص: 1]،
تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَ ﴿يسٓ﴾ [يس: 1]، قَلْبُ
الْقُرْآنِ، وَلاَ شُبْهَةَ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ نَفْسَهُ،
وَيَتَضَمَّنُ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلاَمِهِ الَّذِي يَذْكُرُ
بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الأَْئِمَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ، وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَيْهَا، وَفَضْلُ
كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَفَضْلُ الْكَلاَمِ قَدْ يَكُونُ بِحَسَبِ
الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ
الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ»، وَقَدْ
يَكُونُ بِحَسَبِ مَعَانِيهِ وَمَا يُتَكَلَّمُ فِيهِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ
مَعَانِيهِ أَشْرَفَ وَأَنْفَعَ؛ كَانَ أَفْضَلَ، وَلِهَذَا فُضِّلَتْ سُورَةُ
الْفَاتِحَةِ، وَالإِْخْلاَصِ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ
الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِهِ.
****
الشرح
قوله: «وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْفَاتِحَةَ هِيَ الصَّلاَة، وَقِسْمَتَهَا قِسْمَتَهَا» ففي الحديث القدسي: «قَالَ اللهُ - تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ»، المراد بالصلاة هنا: الفاتحة، فدل على أن الصلاة لا تصح بدونها.
الصفحة 1 / 279