×
تَعْلِيقَات عَلَى كِتَابِ صِفَةِ اَلصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ اَلْعُمْدَةِ

 وَاعْلَمْ أَنَّ رَفْعَ الْيَدِ إِلَى الْمَنْكِبِ أَوْ إِلَى فُرُوعِ الأُْذُنَيْنِ هُوَ: أَنْ يُحَاذِيَ بِيَدِهِ ذَلِكَ الْعُضْوَ، وَالْيَدُ جَمِيعًا لاَ تُحَاذِيهِ، فَالْمُحَاذَاةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِأَصْلِ الْيَدِ وَهُوَ الرُّسْغُ، أَوْ تَكُونَ بِطَرَفِ الْيَدِ وَهُوَ رُؤُوسِ أَصَابِعِ الْيَدِ، أَوْ تَوَسُّطِ الْيَدِ وَهُوَ أُصُولُ الأَْصَابِعِ عَنِ الْكَفِّ، أَمَّا الأَْوَّلُ فَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: إِنَّ المُحَاذَاةَ تَكُونُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا الآْخَرَانِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ بِرُؤُوسِ أَصَابِعِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي «الْمُجَرَّدِ»، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّ المَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا: «رَفَعَ يَدَهُ إِلَى كَذَا»: أَنْ يُحَاذِيَ بِرَأْسِهَا ذَلِكَ الْمَكَانَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُحَاذِيَ بِكَفِّهِ مَنْكِبَيْهِ أَوْ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي «الْجَامِعِ» وَ«الْخِلاَف» وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ فِي رِوَايَةٍ: الأُْذُنَيْنِ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَبُو الْحَرْثِ: إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ قَالَ: يَرْفَعُهَا إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: الَّذِي أَخْتَارُ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُجَاوِزَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ؛ فقد نَصَّ صَرِيحًا إِذَا قُلْنَا: يَرْفَعُهُمَا إِلَى أُذُنَيْهِ عَلَى مُجَاوَزَةِ الأُْذُنَيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لاَ يُجَاوِزُهُمَا بِكَفِّهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، فَعُلِمَ أَنَّهُ جَاوَزَهُمَا بِرُؤُوسِ الأَْصَابِعِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: «عَلَى رَفْعِ رُؤُوسِ الأَصَابِعِ» إِلَى «فُرُوعِ الأُْذُنَيْنِ»؟ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّفْعِ إِلَى الأُْذُنَيْنِ، فَفِي الرَّفْعِ إِلَى المَنْكِبَيْنِ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وُجُوهٌ:


الشرح