وقوله: «تَرَاصُّوا» يعني: لا تجعلوا بينكم
خللاً وفرجًا؛ وذلك بأن يقترب بعضكم من بعض، وليس معنى ذلك ما يفعله بعض المجتهدين
الآن على غير علم، أنه يجافي بين رجليه حتى يلزقهما بمن إلى جانبه، فيضايقهم، ويشق
عليهم، ويحدث فرجه في الصف من تحته، وإنما المقصود من التراص أنهم يتقاربون على
وقوفهم المعتاد.
وقوله: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ»، يعني: اجعلوها
مستوية ومعتدلة، فلا يكون فيها ميلان، قال صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ
لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» ([1])، وهذا وعيدٌ شديد
على ميل الصفوف.
وقوله: «فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ
الصَّلاَةِ» فيه فائدتان:
الأولى: أن الصلاة التي لا تُسَوَّى بها الصفوف تكون ناقصة.
والثانية: الخوف من الوعيد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي المخالفة بين
القلوب، أو الوجوه، ففيه السلامة من هذه العقوبة.
وقوله: «كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ أَخَذَ
يَمِينَهُ ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ»، هذا
دليل على استحباب ذلك، وأن الإمام يلتفت إلى المأمومين ويأمرهم بتسوية الصفوف،
ويؤكد عليهم.
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفعل كما فعل النبي صلى
الله عليه وسلم، فيأمر بتسوية الصفوف، ويعدل الصفوف قبل أن يكبر، وإذا رأى أحدًا
قد مال عن الاعتدال تقدم أو تأخر، سماه باسمه، وقال: يَا فُلاَنُ تَقَدَّمْ، يَا
فُلاَنُ تَأَخَّرْ.
وقوله: «رَوَاهُ سَعِيدٌ» هو سعيد بن منصور صاحب السُّنَن.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (717)، ومسلم رقم (436).