قوله: «رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ» فلا
يبقى فيها فرج، «وَقَارِبُوا بَيْنَهَا»
فلا تترك بين الصفين مسافة كما سبق، «وَحَاذُوا
بِالأَْعْنَاقِ» فلا يتقدم هذا بصدره وعنقه ويتأخر هذا، إنما تكون الأعناق
متساوية ومتسامتة، «وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهُ
الْحَذَفُ»، هذه هي الحكمة من تراص الصفوف وسد الفرج: أن يمنع الشيطان من
التخلل بين المصلين؛ فيوسوس لهم، ويشوش عليهم صلاتهم، فإذا اعتدلت صفوفهم، اعتدلت
قلوبهم، وتآلفت، وإذا تفاوتت الصفوف، كان ذلك سببًا للمخالفة بين القلوب؛ كما في
الحديث. و«الحذف»: بفتح الحاء والذال
هو صغار الغنم.
وقوله: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» يعني: عدلوها، «فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي»؛
ليبين لهم أنه لا يخفى عليه ما يحصل في الصفوف من خلل، وهذا خاص به صلى الله عليه
وسلم؛ فإن الإنسان لا يرى إلا ما أمامه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يرى ما
أمامه وما خلفه، وكذلك من خصائصه أنه يرى الشيطان يتخلل بين الصفوف كأنه الحذف،
أما نحن، فلا نرى الشيطان، قال - تعالى: ﴿إِنَّهُۥ
يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ﴾ [الأعراف: 27].
وقوله: «وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ
بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» بحيث لا يبقى فرجة لأجل أن
يعتدل الصف.
وقوله: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ»، فيه دليل على أن الإمام لا يُكبر حتى يتفقد الصفوف، ويتأكد من استقامتها.