×
تَعْلِيقَات عَلَى كِتَابِ صِفَةِ اَلصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ اَلْعُمْدَةِ

 «سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِـ ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ [الفَاتِحَة: 1]، أَوِ  ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ [الفاتحة: 2] ؟ قَالَ: إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، وَلاَ سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَكَ»، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: «إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ».

قُلْنَا: هَذَا التَّأْوِيلُ لاَ يَصِحُّ لَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الرِّوَايَاتِ الصَّرِيحَةِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ أَرَادَ السُّورَةَ لَذَكَرَهَا بِاسْمِهَا، فَقَالَ: «بِالْفَاتِحَةِ»، أَوْ «أُمِّ الْكِتَابِ»، أَوْ «أُمِّ الْقُرْآنِ» كَمَا عَادَتُهُمْ فِي سَائِرِ الْخِطَابِ، فَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ بِأَوَّلِ كَلِمَةٍ مِنْهَا، كَمَا تَقُولُ: سُورَةُ «وَالْعَادِيَاتِ»، وَسُورَةُ «اقْرَأْ» وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا عَرَفَ أَهْلُ زَمَانِنَا، فَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» بِالْجُمْلَةِ جَمِيعِهَا، فَلَيْسُ يُعْرَفُ فِي اللِّسَانِ قَدِيمًا وَلاَ حَدِيثًا، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقِرَاءَةَ بِسُورَةِ أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ؛ لأَِنَّ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ، مِثْلَ كَوْنِ قِرَاءَةِ اللَّيْلِ يُجْهَرُ بِهَا وَقِرَاءَةِ النَّهَارِ يُخَافَتُ بِهَا، وَسُنَّةُ ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ مِنْ تَوَهُّمِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَقَالَ قَوْلاً عَظِيمًا؛ لأَِنَّ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرَ لَفْظِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: «لَمْ يَكُونُوا يَذْكُرُونَ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ [الفَاتِحَة: 1] فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلاَ فِي آخِرِها»، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى، ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ، كُلٌّ مِنْهُمْ يُؤَدِّي لَفْظًا صَرِيحًا غَيْرَ الآْخَرِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ طُرُقَ الْحَدِيثِ عَلِمَ ذَلِكَ.


الشرح