وَأَمَّا
الْحَدِيثُ الآْخَرُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالظَّاهِرُ: أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ
أَنَسًا عَنْ قِرَاءَتِهَا سِرًّا، فَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ يَعْلَمُ ذَلِكَ،
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي يَعْلَمُهُ أَنَّهُمْ لاَ يَجْهَرُونَ بِهَا، وَعَلِمَ
مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا؛ فَرَوَاهُ فِي وَقْتٍ
آخَرَ، إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ لأَِنَسٍ قَدِيمًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
حَدِيثًا، فَلَعَلَّ أَنَسًا قَدْ نَسِيَ؛ لأَِنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ،
وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ [...]. وَبِكُلِّ حَالٍ: مِثْلُ هَذَا لاَ يَصْلُحُ أَنْ
يُعَارِضَ الرِّوَايَاتِ الْمُسْتَفِيضَةَ عَنْهُ.
****
الشرح
قوله: «وَهَلْ قِرَاءَتُهَا وَاجِبَةٌ
أَوْ سُنَّةٌ؟ يَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - تَوْجِيهُهَا»، ذهب بعض العلماء
إلى أن قراءتها واجبة، سواء جهر بها أو لم يجهر، وقيل: إنها سنة، فإذا تركها صحت
صلاته، وسيأتي تفصيل ذلك -إن شاء الله-.
وقوله: «وَالسُّنةُ: الإِْسْرَارُ بِهَا، هَذَا
مَذْهَبُهُ» أي: مذهب الإمام أحمد: أنها تُقرأ، ولكن لا يُجهر بها، «الَّذِي لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ نُصُوصُهُ»
المروية عنه، «وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ
أَصْحَابِهِ» أي: أصحاب الإمام أحمد، «وَالْجَهْرُ
بِهَا مَكْرُوهٌ، نَصَّ عَلَيْهِ»؛ لأنه خلاف السنة، وما خالف السنة، فهو
مكروه، إلا لمن يريد تعليم من خلفه.
وقوله: «وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ مَذْهَبِهِ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِهَا»، وهذا لم يثبت عن الإمام أحمد، وإنما هو قول من قاله منهم، «وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَنْدَهْ» المحدث المعروف، «وَرُبَّمَا حَكَى بَعْضُ النَّاسِ هَذَا رِوَايَةً عَنْهُ، وَهُوَ غَلَطٌ»، فلم يثبت عن الإمام أحمد شيء في مشروعية الجهر بها، إنما هذا قاله بعض أصحاب مذهبه «وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُ الإِْسْرَارُ» هذا الثابت عنه رحمه الله.