وَقَوْلُ مَنْ خَرَّجَ
ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَجْهَرُ بِهَا وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا، كَمَا يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ، وَقَدْ يُخَافِتُ بِهَا
وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، كَمَا سَنَذْكُرُ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ
يَمْنَعْ أَنْ تَكُونَ الْمُخَافَتَةُ بِهَا أَوْلَى، كَمَا تُخْتَارُ بَعْضُ
الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ.
وَأَمَّا
كَوْنُ الْجَهْرِ بِهَا أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِنَ السُّورَةِ
- فَلَيْسَ هَذَا بِمُطَّرِدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَجْهَرُ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ دُونَ
بَعْضٍ، كَمَا يَجْهَرُ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَالرَّكْعَاتِ دُونَ بَعْضٍ،
وَأَيْضًا: فَقَدْ تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَهْرَ بِهَا
لِحِكْمَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ،
كَمَا رَمَلَ وَاضْطَبَعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِمَعْنًى كَانَ فِي ذَلِكَ
الزَّمَانِ، ثُمَّ صَارَ سُنَّةً لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيِ
الْجَمَرَاتِ، وَذَبْحِ الْهَدْيِ؛ لِمَا يُرْوَى مِنْ قِصَّةِ فِعْلِ
إِبْرَاهِيمَ، وَابْنِهِ الذَّبِيحِ، وَهَاجَرَ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ ذَلِكَ
عِبَادَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَأَيْضًا: فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، لَكِنْ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ لأَِجْلِ مَا بَعْدَهَا مِنَ السُّورَةِ؛ لأَِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنَزَّلَ عَلَيْهِ ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ [الفَاتِحَة: 1] وَالتَّسْمِيَةُ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الأُْمُورِ وَفِي أَوَائِلِهَا، فَصَارَتْ كَالتَّابِعِ لِغَيْرِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَجْلِهِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ لِنَفْسِهِ وَمَا يُقْصَدُ لِغَيْرِهِ بِصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالإِْخْفَاتِ، كَمَا يُخَافَتُ بِالاِسْتِعَاذَةِ لَمَّا كَانَتْ مَقْصُودَةً لِغَيْرِهَا، أَلاَ تَرَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَقْصُودَةٌ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ حَمْدِ اللهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالصَّلاَةِ لَهُ؟ وَالْمَعْنَى: بِاسمِ اللهِ أَقْرَأُ
الصفحة 1 / 279