النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ فِيهَا؛ فَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِهَا،
وَلِذَلِكَ قَصَرَهُمْ عَلَى الْفَاتِحَةِ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ زَمَنَ
السَّكَتَاتِ لاَ يَتَّسِعُ لِغَيْرِهَا، بِخِلاَفِ صَلاَةِ السِّرِّ، فَإِنَّهَا
تَتَّسِعُ لأَِكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: «لِلإِْمَامِ
سَكْتَتَانِ؛ فَاغْتَنِمِ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا»، أَوْ لَعَلَّ هَذَا كَانَ
مَقْصُودَهُ، فَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِالْمَعْنَى، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ
قِرَاءَةَ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لاَ تُشْرَعُ فِي حَالِ جَهْرِ الإِْمَامِ، مَعَ
أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، فَإِذَا نَهَى عَنْ
هَذِهِ السُّنةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَسَقَطَ اعْتِيَاضًا بِالاِسْتِمَاعِ الْوَاجِبِ؛
جَازَ أَنْ تَسْقُطَ الْفَاتِحَةُ الْوَاجِبَةُ؛ اعْتِيَاضًا بِالاِسْتِمَاعِ
الْوَاجِبِ.
وَحَمَلَ
بَعْضُهُمُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الإِْمَامِ عَلَى الْحَالِ الَّذِي كَانُوا
يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يُتَابِعُونَ الإِْمَامَ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ.
****
الشرح
قوله: «وَمَا اعْتَلَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ» يعني: بعض الحنابلة يقولون: يَقْرَؤُهَا خلف الإمام، وهو يجهر؛ خروجًا من الخلاف. فأجاب عن ذلك الشيخ رحمه الله، وذكر وجوهًا في الرد عليهم، فقال: «أَنَّ السُّنةَ إِذَا تَبَيَّنَتْ تَعَيَّنَ اتِّبَاعُهَا»، فلا ننظر إلى الخلاف مع وضوح السنة، إنما نأخذ بالسنة، ونترك الخلاف، أما إذا لم يتبين الدليل، وصار للفقهاء اجتهادات، وكل واحد منها له محمل، ولم يتبين الدليل مع أحدهم، فحينئذ يبحث عن مخرج من الخلاف.