×
تَعْلِيقَات عَلَى كِتَابِ صِفَةِ اَلصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ اَلْعُمْدَةِ

 وَأَيْضًا: فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ جَهْرِ الإِْمَامِ، وَيُحْمَلُ الأَْمْرُ بِالإِْنْصَاتِ فِي حَالٍ غَيْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ؛ جَمْعًا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ بِهَذَا التَّقْرِيرِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: «لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلاَةً مَكْتُوبَةً أَوْ تَطَوُّعًا فَلْيَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى أُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَى، وَمَنْ صَلَّى صَلاَةً مَعَ إِمَامٍ يَجْهَرُ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ سَكَتَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ صَلاَتَهُ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ».

قُلْنَا: لأَِنَّ الدَّلاَلَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ وَإِنِ احْتَجَجْنَا بِهَا فِي الاِسْتِحْبَابِ، فَلاَ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الإِْيجَابِ، فَإِنَّ فِيهَا ضَعْفًا لاَ يُقَاوِمُ الأَْحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِهَا اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ؛ لأَِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي قِلاَبَةَ الْمُتَقَدِّمِ: «إِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَّ فَاعِلِينَ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «فَلاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ»، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ الإِْذْنَ وَالإِْبَاحَةَ، لاَ سِيَّمَا وَقَدِ اسْتَثْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ، وَذَلِكَ لاَ يُفِيدُ إِلاَّ الإِْذْنَ، وَلأَِنَّ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ: «فَإِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ»، وَفِي لَفْظٍ: «هَلْ تَقْرَؤُونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟»، فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِينَ وَاجِبَةً كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّكْبِيرُ، وَالتَّشَهُّدُ، وَالتَّسْلِيمُ؛ لَمْ يَسْأَلْهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:


الشرح