هَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟
بَلْ كَانَ يَكُونُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَبَيَّنَهُ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛
لأَِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لاَ يجُوزُ، وَأَيْضًا فَوُجُودُهُ فِي تِلْكَ
الصَّلاَةِ دُونَ غَيْرِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَادَةً، وَأَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُوهُ كُلُّهُمْ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ: «فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِهَا» تَعْلِيلٌ لِتَخْصِيصِ الْفَاتِحَةِ بِالذِّكْرِ؛ لأَِنَّهُ الْمَفْرُوضُ
مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَمَّلُهَا الإِْمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِ،
فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِنَفْسِهِ وَلاَ يَتْحَمَّلَهَا الإِْمَامُ
فَعَلَ، وَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِيمَا دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ
بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى الإِْمَامِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإِْمَامِ فَقَالَ: «إِذَا
قَرَأْتَ خَلْفَ الإِْمَامِ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ، وَإِنْ لَمْ تَقْرَأْ
فَقَدْ أَجْزَأَكَ ذَلِكَ الإِْمَامُ»، وَفِعْلُ عُبَادَةَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى
الْجَوَازِ وَالاِسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
ضَعِيفٌ.
وَالصَّحِيحُ:
هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ؛ لِقوله -تعالى-: ﴿وَإِذَا
قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الأَْعْرَاف:
204].
وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَعَطَاءٍ،
وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ،
وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرِهِمْ: «نَزَلَتْ
فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ».
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: «فِي الصَّلاَةِ وَالْخُطْبَةِ».