قال الإمامُ
الشوكاني في «تفسيرِه»: «ومن فهِم هذه الآيةَ الكريمة حقَّ فهمِها وتدبَّرها حقَّ
تدبرِها مشى بها عند اختلافِ المختلفين في الصفاتِ على جادَّة بيضاء واضحة، ويزداد
بصيرةً إذا تأمل معنى قوله: ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ فإن هذا الإثباتُ بعد ذلك
النفي للمماثل قد اشتمل على بردِ اليقين وشفاءِ الصدور وانثلاج القلوب، فاقدر يا
طالبَ الحقِّ قدرَ هذه الحُجَّة النَّيِّرة والبرهان القوي، فإنك تُحطِّم بها
كثيرًا من البدع، وتُهشِّمُ بها رءوسًا من الضلالة، وتُرغِم بها أنوفَ طوائفٍ من
المتكلمين، ولا سيما إذا ضممت إليه قوله تَعالَى: ﴿وَلَا
يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا﴾». اهـ.
وقوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ
نِعِمَّا﴾ قبله قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ
أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ
أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ﴾ نِعْمَ: من ألفاظ المدح،
وما: قيل: نكرة موصوفة، كأنه قيل: نِعْمَ شيئًا يعظكم به، وقيل: إن ما موصولة، أي:
نعم الشيء الذي يعظكم به.
وقوله: ﴿يَعِظُكُم﴾ أي: يأمركم به من
أداء الأمانات والحكم بين النَّاس بالعدل.
وقوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ
كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا﴾ أي: أنه سبحانه سميع لما
تقولون، بصير بما تفعلون.
الشاهدُ من الآيتين الكريمتين: أن فيهما إثباتَ السمعِ والبصر لله، وفي الآية الأولى نفي مماثلة المخلوقات، ففي ذلك الجمعُ فيما وصف وسمَّى به نفسَه النفي والإثبات.
الصفحة 2 / 220