3-
لا تنافي بين إثباتِ القَدرِ وإسنادِه أفعال العباد إليهم حقيقة، وأنهم يفعلونها
باختيارهم:
والعبادُ فاعلون حقيقة، واللهُ خالقٌ
أفعالَهم، والعبدُ هو المؤمنُ والكافر، والبرُّ والفاجر، والمصلِّي والصائم، وللعباد
قدرةٌ على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالقُ قدرتهم وإرادتِهم، كما قال
تَعالَى: ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ
أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩﴾ [التكوير: 28- 29].
وهذه الدَّرجة من القدَر يُكَذِّبُ بها عامَّة
القدرية الَّذين سمَّاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجوسَ هذه الأمَّة.
وَيَغْلُو فيها قومٌ من أهلِ الإثباتِ حتَّى سَلَبُوا العبدَ قدرَتَه واختيارَه،
ويَخرُجُون عن أفعالِ الله وأحكامِه حكمِها ومصالحِها.
*****
الثاني: محبَّتُه
لإيمانِ الكفَّار، وطاعات الكفَّار، ولم يشأ وجودَ ذلك منهم، ولو شاءه لوجد.
أراد الشيخُ رحمه
الله بهذا الكلام أن يُبيَّنَ أنَّه لا تنافي بين إثباتِ القدَرِ بجميع مراتبه
السابقة، وبين كونِ العبادِ يفعلون باختيارِهم، ويعملون بإرادتِهم. وقصده بهذا
الردُّ على من زعم: أن إثباتَ ذلك يلزمُ منه التَّناقض، ومن ثمَّ ذهبتْ طائفةٌ
منهم إلى الغُلوِّ في إثبات القدر؛ حتَّى سلبوا العبدَ قدرتَه واختيارَه. وذهبت
الطَّائفَة الثَّانية إلى الغُلوِّ في إثباتِ أفعالِ العبادِ واختيارِهم؛ حتَّى
جعلوهم هم الخالقين لها، ولا تَعَلُّقَ لها بمشيئةِ الله، ولا تَدْخُلُ تحت
قدرتِه.
الصفحة 1 / 220