·
تفصيل مراتب القدر:
أ- الدَّرجةُ الأولى وما تتضمَّنه:
فالدَّرجةُ الأولى: الإِيمَان بأنَّ اللهَ
تَعالَى عليمٌ بالخلقُ وهم عاملون بعلمِه القديمِ الَّذي هو موصوفٌ به أزلاً
وأبدًا، وعَلِمَ جميعَ أحوالِهم من الطَّاعات، والمعاصي، والأرزاق، والآجالِ. ثمَّ
كَتبَ اللهُ في اللَّوح المحفوظ مقاديرَ الخلقِ. فأوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ القَلمَ،
قال له: اكتبْ. قال: ما أكتبُ؟ قال: اكتبْ مَا هُو كَائنٌ إلى يَوم القيامة. فمَا
أصابَ الإِنسَان لم يكنْ لِيُخطِئه، وَمَا أخطأه لم يكنْ ليُصيبَه. جفَّت الأقلام
وطُويت الصُّحف، كما قال تَعالَى: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا
فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ
يَسِيرٞ﴾
[الحج: 70]، وقال: ﴿ مَآ
أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ
مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ﴾
[الحديد: 22].
وهذا التَّقديرُ التَّابع لعلمِه سبحانه يكونُ
في مواضعَ جملةً وتفصيلاً. فقد كَتَبَ في اللَّوحِ المحفوظ مَا شاء، وإذا خَلق
جسدَ الجنين -قبل نفخِ الرُّوح فيه- بَعثَ إليه مَلكًا، فيُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ؛
فيُقال له: اكتبْ رزقَه، وأجلَه، وعملَه، وشقيٌ أو سعيدٌ. ونحو ذلك، فهذا
التَّقدير قد كان يُنكره غُلاة القدريَّةِ قديمًا ومنكروه اليوم قليلٌ.
*****
قوله: «أزلاً» الأزل: القِدَم الذي لا بداية له. وقوله: «أبدًا» الأبد: هو الدَّوامُ في المستقبل الَّذي لا نهايةَ له. و«الطاعات»: جمع
الصفحة 1 / 220