وقولُه: «وتقوم
القيامةُ الَّتي أخبرَ اللهُ بها في كتابِه، وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها
المسلمون» إشارةٌ إلى أدلَّةِ البعث، وأنَّه ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّةِ وإجماع
المسلمين والعقلِ والفطرة السليمةِ. فقد أخبر الله عنه في كتابه، وأقام الدَّليل
عليه، وردَّ على المُنكِرِيْن البعثَ في غالب سور القرآن. ولما كان نبيُّنا
مُحمَّد صلى الله عليه وسلم خاتمَ النَّبِيين بيَّنَ تفاصيلَ الآخرَة بيانًا لا
يوجد في كثيرٍ من كتبِ الأنبياء.
والجزاءُ على
الأعمالِ: ثابتٌ بالعقل، وواقعٌ في الشَّرع، فإنَّ اللهَ نبَّه العقولَ إلى ذلك في
مواضعَ كثيرةٍ من القرآن؛ إذ ذكَّرها أنَّه لا يليقُ بحكمتِه وحمدِه أن يَتْركَ
النَّاس سُدىً، أو يَخلقَهم عبَثًا، لا يُؤمَرُون ولا يُنْهَوْن، ولا يُثَابُون
ولا يُعَاقَبُون. وأن يكونَ المحسِنُ كالمسيء، أو يجعل المسلمين كالمجرمين. فإنَّ
بعضَ المحسنين يموتُ قبل أن يُجزَى على إحسانِه. وبعضُ المجرمين يموتُ قبلَ أن
يُجازَى على إجرامِه. فلا بد أن هناك دارًا يُجازَى فيها كلٌّ منهما. ومُنكِرُ
البَعثِ كافرٌ، كما قال تَعالَى: ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ
أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ﴾ [التغابن: 7].
وقوله: «فيقوم
النَّاس مِن قبورِهم حُفاةً»: جمْعُ حَافٍ، وهو الَّذي ليس على رجله نَعْلٌ ولا
خُفٌّ «عُرَاةً»: جمع عَارٍ، وهو الَّذي لَيسَ عليه لِباسٌ «غُرْلاً»:
جمع أَغْرَل، وهو الأَقْلَفُ الَّذي لم يُخَتَّنْ، وهذه الصِّفات الثلاثُ يكونون
عليها حين قيامهم من قبورِهم، وهذا ثابتٌ في الصَّحيح عن النَّبِي صلى الله عليه
وسلم، ففي الصَّحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسولَ
الصفحة 2 / 220