﴿
فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ﴾ [البقرة: 186].
وهذا يَدلُّ على
الإرشادِ إلى المُناجاة في الدُّعاء بدون رَفْعِ الصَّوتِ، كما في قوله صلى الله
عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ
رَاحِلَتِهِ» ([1]) سبق شرحه.
وفي هذه الآيةِ وهذا
الحديثِ دِلالَةٌ على قُربِ اللهِ -تَعالَى- من الدَّاعِي بإِجَابَتِه. وهذا
القُربُ لا يُنُاقِضُ عُلُوَّه؛ ولهذا قال المُصنِّفُ: «وَمَا ذُكِرَ في
الكِتَابِ والسُّنَّة مِن قُرْبِه وَمَعِيَّتِه لا يُنافِي مَا ذُكِر مِن عُلُوِّه
وَفَوْقِيَّتِه»؛ لأنَّ الكُلَّ حَقٌّ، والحقُّ لا يَتنَاقضُ، ولأنَّ الله
تَعالَى: «لَيسَ كَمِثلِه شَيءٌ في جَميعِ نُعُوتِه» أي: صفاته، فلا
يُقالُ: إِذَا كَانَ فَوقَ خَلقِه فكيفَ يكونُ معهم؟ لأنَّ هذا السُّؤالَ نَاشئٌ
عن تصوُّرٍ خَاطئٍ، هو قياسُه سبحانه بخلقه، وهذا قياسٌ باطلٌ؛ لأنَّ اللهَ سبحانه
﴿ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ ﴾ [الشورى: 11].
فالقربُ والعُلوُّ يجتمعان في حقِّه؛ لعظمتِه وكبريائِه وإحَاطَتِه، وأنَّ السَّمواتِ السَّبعَ في يَدِه كخَرْدَلةٍ في يد العبد، فكيف يستحيل في حقِّ مَن هذا بعضُ عظمتِه أن يَكونَ فوق عرشه، وَيَقْرُب من خلقه كيف يشاء وهو على العرش؟! «وهو عَلِيٌّ في دُنُوه قريبٌ في عُلُوِّه» سبحانه وتعالى، كما دلَّتْ على ذلك نصوص الكتاب والسُّنَّة، وأجمع عليه علماءُ الملَّةِ، وهو من خصائصه سبحانه «عَلِيٌّ في دُنُوه» أي: في حال قربِه من خلقِه «قَرِيبٌ فِي عُلُوِّه» أي: قريبٌ من خلقِه في حالِ علوِّه على عرشِه.
([1]) أخرجه: أحمد رقم (19599).
الصفحة 2 / 220