وأمر بالصيام مجملاً، وأمر
بالحج مجملاً، فلا بد أن يرجع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تفصيل هذه
المجملات، ولا تؤخذ على إجمالها من القرآن، والله جل وعلا أرسل رسوله؛ ليبين للناس
ما نُزِّل إليهم: ﴿وَأَنزَلۡنَآ
إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ [النحل: 44]، ومن
ذلك الصلاة.
فإذا صلى المسلم كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل، وكما أقر على
ذلك، كانت صلاته موافقة لما جاء في السنة الصحيحة.
وهذا فيه ردٌّ على الخوارج ومن يسمون بالقرآنيين، الذين يقولون: لا نحتج
إلا بما جاء في القرآن فقط، ولا نحتج بالأحاديث.
والقرآن فيه مجملات، فمن الذي يفصلها؟! هل تفصلونها أنتم؟!
لا شك أن تفصيلها لا يكون إلا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقولهم هذا فيه إلغاءٌ
للسُّنة، يتبعه إلغاءٌ للقرآن؛ لأنك إذا ألغيت تفسير القرآن ألغيت القرآن، فيجب
التنبه لهذه الدسائس وهذه المذاهب الهدامة، وإن كان أصحابها ينتسبون إلى الإسلام،
لكنهم - إما عن جهل، وإما عن عنادٍ وقصد - يهدمون الإسلام بهذه الأفكار.
فقوله: «وَفَرَضَهَا عَلَى سَبِيلِ الإِْجْمَالِ،
وَفَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تَفْسِيرَ مَا
أَجْمَلَهُ، وَبَيَانَ مَا أَطْلَقَهُ» من ردِّ المتشابه إلى المحكم، والذي
يقتصر على المجمل، ولا يرجع للمحكم فهذا زائف على الله - جل وعلا: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ
عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ
وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ﴾ [آل عمران: 7]. يأخذون
بالمجملات، ويتركون التفصيل، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، والسُّنة تفسر القرآن
وتبينه، فيرد المجمل إلى المفصل، والمتشابه إلى المحكم وإلى المبين، وهذه هي طريقة
الراسخين في العلم.