وقد سئل الإمام أحمد: «أَتَجْهَرُ بِـ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ
ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ [الفَاتِحَة: 1] قَالَ: بِالْمَدِينَةِ
نَعَمْ»؛ لأن أهل المدينة كانوا لا يقرؤون «بسم
الله الرحمن الرحيم» في الصلاة - لا سرًّا، ولا جهرًا - فأراد أن يُبَيِّن لهم
أن قراءتها سنة.
وقوله: «فَأَمَّا اتِّخَاذُ الْجَهْرِ بِهَا سُنَّةً
فَمَكْرُوهٌ» يعني: يكره المداومة على الجهر بها على أنه سنة، «نَصَّ عَلَيْهِ» الإمام أحمد «فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ
السُّنةِ» ومخالف لما صحت به الأحاديث.
وقوله: «وَكَانَ آخِرُ الأَْمْرَيْنِ عَنْهُ»
أي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَرْكَ
الْجَهْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الأَْمْرَيْنِ: أَنَّ أَكَابِرَ
الصَّحَابَةِ عَمِلُوا بِهِ» وتركوا الجهر بها.
وقوله: «وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ
مُسَيْلَمَةَ: الرَّحْمَنَ»؛ لأن مسيلمة سمى نفسه الرحمن، فقالوا: لا نعرف
الرحمن، إلا مسيلمة.
ففي صلح الحديبية جاء سهيل بن عمرو رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: «هات اكتب بيننا وبينكم
كتابًا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري
ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كانت تكتب»([1]).
قال: «فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إِلَى إِلَهِ الْيَمَامَةِ» لما سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: «بسم الله الرحمن الرحيم»، قالوا: إنه يدعو باسم مسيلمة «فَأَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِإِخْفَائِهَا» في قوله - تعالى: ﴿وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا﴾ [الإسراء: 110].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2731).