الْجَهْرِ
بِهَا مَنْ جَهَرَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا التَّأْويلِ، وَلِذَلِكَ
مَا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهَا بَعْدَ الاِسْتِعَاذَةِ، قَالَ: وَمَالِكٌ لاَ يَرَى
ذَلِكَ، وَمَا يُعْجِبُنِي هَذَا مِنْ قَوْلِهِ، وَالْجَهْرُ بِهَا عَلَى
الْوَجْهِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
فَأَمَّا
اتِّخَاذُ الْجَهْرِ بِهَا سُنَّةً فَمَكْرُوهٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ
مَوْضِعٍ؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ السُّنةِ.
فَأَمَّا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ حَالِهِ
كَانْ تَرْكَ الْجَهْرِ، كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَعَمِلَ
بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ الْجَهْرِ بِهَا -
إِنْ صَحَّ وَكَانَ لَهُ أَصْلٌ - فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّهُ يَكُونُ جَهَرَ بِهَا أَحْيَانًا؛ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا،
كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْجَهْرَ بِهَا
مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَهُوَ الرَّاوِي
لِحَدِيثِ: «قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي»، مَعَ أَنَّ
الْمَحْفُوظَ غَيْرُهُ، تَبْيِينُ أَصْلِ قِرَاءَتِهَا.
الثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ جَهَرَ بِهَا أَحْيَانًا، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «كَانَ
يَجْهَرُ بِالآْيَةِ أَحْيَانًا»؛ لأَِنَّ الْجَهْرَ بِهَا جَائِزٌ فِي
الْجُمْلَةِ، وَلاَ بَأْسَ بِهِ فِي الأَْحْيَانِ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ
الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الأَْمْرِ ثُمَّ نُسِخَ، وَكَانَ آخِرُ الأَْمْرَيْنِ عَنْهُ: تَرْكَ الْجَهْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الأَْمْرَيْنِ: أَنَّ أَكَابِرَ