فَإِذَا كَانَ
لِلْمُسْتَمِعِ أَجْرَانِ، وَلِلْقَارِئِ أَجْرٌ؛ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الْقِرَاءَةِ
مَعَهُ، وَلأَِنَّهُ إِذَا قَرَأَ مَعَ جَهْرِ الإِْمَامِ نَازَعَ الإِْمَامَ
الْقِرَاءَةَ، وَخَالَجَهُ إِيَّاهَا، وَرُبَّمَا مَنَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ
كَمَالِ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْصْغَاءِ، وَفَاتَهُ هُوَ الاِسْتِمَاعُ
وَالإِْنْصَاتُ، وَلَمْ يَكَدْ يَفْقَهُ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْ أَجْلِ إِسْرَاعِهِ
بِالْقِرَاءَةِ، وَاشْتِغَالِهِ بِقِرَاءَةِ الإِْمَامِ، وَمِثْلُ هَذَا لاَ
يَكُونُ مَشْرُوعًا، إِلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الاِسْتِحْبَابِ
أَوِ الإِْيجَابِ، وَلأَِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَالِ الْجَهْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا،
وَالاِسْتِمَاعُ وَاجِبٌ فَكَيْفَ يَتْرُكُ ذَلِكَ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْمَأْمُومِ؟ وَلأَِنَّ حَقِيقَةَ الْمُؤْتَمِّ هُوَ
الْمُتَّبِعُ الْمُقْتَدِي لِلإِْمَامِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا قال
- تعالى: ﴿فَإِذَا
قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ﴾ [الْقِيَامَة: 18] أَيْ:
اسْتَمِعْ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْهَمْ مَا هُوَ فِيهِ كَانَ كَالْحِمَارِ
يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَإِلَى هَذِهِ الْمَعَانِي أَشَارَتِ الصَّحَابَةُ
رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ.
****
الشرح
قوله: «فَإِذَا كَانَ لِلْمُسْتَمِعِ
أَجْرَانِ، وَلِلْقَارِئِ أَجْرٌ؛ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الْقِرَاءَةِ مَعَهُ»
يعني: مع الإمام؛ لأن أجره بالإنصات لا بالقراءة.
وقوله: «وَلأَِنَّهُ إِذَا قَرَأَ مَعَ جَهْرِ الإِْمَامِ نَازَعَ الإِْمَامَ الْقِرَاءَةَ، وَخَالَجَهُ إِيَّاهَا»، فإذا قرأ الإمام، فعلى المأموم أن يستمع لقراءته، وينصت إليها، أما لو قرأ معه، حصل تشويش على الإمام وعلى المأموم وعلى المصلين، وهذا شيء مجرب، فلا هو سكت واستمع، ولا هو قرأ قراءة متأنية غير مشوشة، «وَرُبَّمَا مَنَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ كَمَالِ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْصْغَاءِ» كذلك يتأثر بقراءته مع الإمام من بجانبه في الصلاة، «وَفَاتَهُ هُوَ الاِسْتِمَاعُ وَالإِْنْصَاتُ، وَلَمْ يَكَدْ يَفْقَهُ مَا يَقْرَؤُهُ»، فيتحصل من قراءته والإمام يجهر ثلاث مفاسد: