وقوله: «فَإِنْ كَانَ لاَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ
الإِْمَامِ فِي حَالِ الْجَهْرِ؛ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا لَمْ تُكْرَهْ لَهُ
الْقِرَاءَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ»؛ لأنه لم يكن هناك مكبرات صوت في
الزمان الأول، فيقرأ الفاتحة ولو كان الإمام يجهر؛ لأن المحظور زال، وهو منازعة
الإمام، ولهذا يقولون: «يقرأ إذا لم
يسمعه؛ لبعيد لا لطرش».
والطرش: هو الصمم، أما الذي عنده طرش، فلا يقرأ؛ لأنه يشوش على من حوله.
وقوله: «وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ»
يعني: لا يقرأ، ولو كان لا يسمع؛ لبعده؛ «لِعُمُومِ
الأَْمْرِ بِالإِْنْصَاتِ، لِقَوْلِهِ: «لاَ يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا
جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ»»، وهذا يشمل البعيد الذي لا يسمع، «وَالأَْوَّلُ أَصَحُّ»؛ لأنه لا محظور
في قراءته، والمنع إنما هو لأجل التشويش، وهو بعيد عن الإمام، فانتفى التشويش، «وَلأَِنَّ الأَْمْرَ بِالإِْنْصَاتِ
إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَمِعِ»، وهذا غير مستمع؛ لبعده.
وقوله: «وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
كَانَ صَغِيرًا، يَبْلُغُ صَوْتُ الإِْمَامِ إِلَى عَامَّةِ مَنْ فِيهِ»، كان
ذلك في عهد النبوة وقبل أن ينتشر الإسلام، فلا يقرأ والإمام يجهر، أما بعد أن اتسع
المسجد في عهد الخلفاء والأمراء من بعده؛ لكثرة المصلين، فربما لا يسمع من في
الصفوف المتأخرة صوت الإمام، فلا مانع من قراءتهم لأنفسهم.
وقوله: «فَإِنْ سَمِعَ هَمْهَمَةَ الإِْمَامِ لاَ يَقْرَأُ؛ لأَِنَّهُ سَامِعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلأَِنَّ بِقِرَاءَتِهِ رُبَّمَا خَلَطَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ اسْتِمَاعُه» يعني: حتى لا يشوش على الإمام وعلى من بجانبه، وهو أقوى منه سماعًا، ويسمع الإمام ولو كان بعيدًا، وفي الوقت الحاضر وجدت مكبرات الصوت،