وَعْنُه مَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الإِْمَامَ يَسْكُتُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ؛ لأَِنَّهُ قَالَ: يَقْرَأُ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الإِْمَامُ.
قِيلَ:
فَإِنْ قَرَأَ الإِْمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا يَقْرَأُ الْبَاقِي إِذَا سَكَتَ
الإِْمَامُ مِنَ الْحَمْد أَوْ مِنَ السُّورَةِ الأُْخْرَى؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ
لاَ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ أَيْضًا: إِذَا كَانَ لَهُ سَكَتَاتٌ قَرَأَ
الْحَمْد، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَكَتَاتٌ قَرَأَ عِنْدَ انْقِطَاعِ نَفَسِهِ،
وَالسَّكَتَاتُ إِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى ثَلاَثٍ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ
اسْتَحَبَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ أَيْضًا؛ لِيَسْتَرِيحَ فِيهَا، وَلِيَقْرَأَ مَنْ
خَلْفَهُ الْفَاتِحَةَ؛ لِئَلاَّ يُنَازِعُوهُ فِيهَا؛ لأَِنَّهَا فِي إِحْدَى
رِوَايَتَيْ حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
لِلإِْمَامِ سَكْتَتَانِ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ: إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، وَإِذَا قَالَ: ﴿وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾ [الْفَاتِحَة: 7]،
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَغْتَنِمُ مِنَ الإِْمَامِ
اثْنَتَيْنِ: إِذَا قَالَ: ﴿غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ
عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾ [الْفَاتِحَة: 7] فَأَقْرَأُ عِنْدَهَا، وَحِينَ يَخْتِمُ
السُّورَةَ فَأَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، رَوَاهُ الأَْثْرَمُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ؛ لأَِجْلِ قِرَاءَةِ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ السَّكْتَةُ سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ؛ لأَِجْلِ الاِسْتِرَاحَةِ وَتَرَاجُعِ النَّفَسِ إِلَيْهِ، وَيُبَسْمِلُ فِيهَا، وَيَتَفَكَّرُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ، كَالسَّكْتَةِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلاَمِهِ؛ لأَِنَّهُ قَالَ: يَقْرَأُ فِيمَا لاَ يَجْهَرُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ الإِْمَامِ، وَلاَ تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الإِْمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُنْصِتَ، فَجَعَلَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ الإِْمَامِ، وَلَوِ اسْتَحْبَبْنَا لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ.