وَالْمَغْرِبُ وِتْرُ
النَّهَارِ، وَوَقْتُهَا الْمُسْتَحَبُّ مُضَيَّقٌ، فَكَمَا أَنَّ السُّنةَ
الْمَبَادَرَةُ بِفِعْلِهَا، فَكَذَلِكَ بِتَخْفِيفِهَا؛ لِتَرْتَفِعَ مَعَ عَمَلِ
النَّهَارِ، وَالْعِشَاءُ بَعْدَهَا النَّوْمُ، وَفِي إِطَالَتِهَا إِضْجَارٌ
لِلنَّاسِ وَإِمْلاَلٌ لَهُمْ، وَوَقْتُهَا شَاسِعٌ، فَيَتَوَسَّطُ الأَْمْرُ
فِيهَا».
وَأَمَّا
الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ؛ فَقَالَ الْقَاضِي: «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى
ثَلاَثِينَ آيَةً، نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السُّوَرِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ،
وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ
مِنْ ذَلِكَ».
وَقَالَ
الخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى بِنَحْوٍ
مِنَ الثَّلاَثِينَ آيَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي
الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى كَلاَمِ أَحْمَدَ، وَقَدْ
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ فِيهِ: «قَاسُوا قِرَاءَتَهُ
فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلاَثِينَ آيَةً، وَفِي
الرَّكْعَةِ الأُخْرَى قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَاسُوا ذَلِكَ فِي
صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ النِّصْفِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ الأُْخْرَيَيْنِ
مِنَ الظُّهْرِ»، وَأَكْثَرُ الأَْحَادِيثِ عَلَى الأُْولَى، فَإِنَّ حَدِيثَ
أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَ يَدُلُّ عَلَى
إِطَالَةِ الأُْولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، إِلاَّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَجْرِ
بِكُلِّ حَالٍ أَطْوَلُ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ؛
لأَِنَّ قِرَاءَةَ الْجَهْرِ يَقَعُ فِيهَا تَرْتِيلٌ وَتَرْسِيلٌ، فَيَطُولُ
بِذَلِكَ، بِخِلاَفِ قِرَاءَةِ السِّرِّ.
وَتَطْوِيلُ الظُّهْرِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهَا صَلاَةٌ، فَأَشْبَهَتِ الْفَجْرَ، وَالْعَصْرُ قَرِيبَةٌ مِنْهَا؛ فَخُفِّفَتْ، مَعَ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَقْتُ فَرَاغٍ لِغَالِبِ النَّاسِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ وَقْتُ الشُّغْلِ.