رحمتُك وعلمُك كلَّ
شيء؛ فـ ﴿رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا﴾ منصوبان على
التمييز المُحول عن الفاعل، وفي ذلك دليلٌ على سَعَةِ رحمةِ اللهِ وشمولها، فما من
مسلمٍ ولا كافرٍ إلا وقد نالته رحمةُ اللهِ في الدنيا، وأما في الآخرَة فتختصُّ
بالمؤمنين.
وقوله: ﴿وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا﴾ هذا إخبارٌ من
اللهِ سبحانه أنه رحيمٌ بالمؤمنين يرحمهم في الدنيا والآخرَة، أما في الدنيا فإنه
هداهم إلى الحقِّ الذي جهِله غيرُهم، وبصَّرَهم الطريقَ الذي ضلَّ عنه غيرهم، أما
رحمتُه بهم في الآخرَة فآمنهم من الفزع الأكبر ويدخلهم الجنة.
وقوله: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ﴾ أي: أوجبها على
نفسِه الكريمة تفضلاً منه وإحسانًا، وهذه الكتابةُ كونيةٌ قدريةٌ لم يُوجبْها عليه
أحد.
وقوله: ﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾ يُخبِر سبحانه عن
نفسِه أنه متصفٌ بالمغفرة والرحمة لمن تاب إليه وتوكَّل عليه، ولو من أي ذنب كان
-كالشرك- فإنه يتوب عليه ويغفر له ويرحمه.
وقوله: ﴿فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ ﴾ هذا مما حكاه اللهُ تَعالَى عن نبيِّه يعقوب عليه السلام حينما طلب منه بنوه أن يرسلَ معهم أخاهم، وتعهدوا بحفظِه، فقال لهم: إن حفظَ اللهِ سبحانه له خير من حفظكم، وهذا تفويضٌ من يعقوبَ إلى الله في حفظِ ابنه، ومن أسمائِه تَعالَى الحفيظ: الذي يحفظُ عبادَه بحفظِه العام من الهلاك والعطب، ويحفظُ عليهم أعمالهم، ويحفظُ عبادَه المؤمنين بحفظِه الخاص عما يفسد إيمانهم وعما يضرهم في دينهم ودنياهم.