«وقولُه صلى
الله عليه وسلم لما رفع الصَّحَابَة أصواتَهم بالذكر» وذلك في غزوةِ خيبر، كما
جاء في بعضِ طرقِ الحديث، وأنَّ الذكرَ الذي رفعوا به أصواتَهم هو التكبير: الله
أكبر، لا إله إلا الله.
وقوله: «ارْبَعُوا» أي: ارفُقوا «فَإِنَّكُمْ»
تعليلٌ للأمر بالرفق «لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا» لا يسمعُ
دعاءَكم ولا يراكم، فنفى الآفةَ المانعةَ من السمعِ والآفةَ المانعةَ من النظر،
وأثبت ضِدَّهما فقال: «إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا» فلا
داعيَ لرفعِ الصوت «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ
عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» فهو قريبٌ ممن دعاه وذكره، فلا حاجةَ لرفعِ الأصواتِ وهو
قريبٌ يسمعها إذا خفضَت كما يسمعُها إذا رفعت.
والشاهدُ من الحديث: أن فيه إثباتَ
قُربِ اللهِ سبحانه من داعيه، يسمعُ الأصواتَ الخفية كما يسمعُ الأصوات الجهرية.
فأفادتْ هذه الأحاديثُ جميعًا إثباتَ مَعِيَّةِ اللهِ لخلقِه وقُربِه منهم، وسماعه لأصواتِهم، ورؤيته لحركاتِهم، وذلك لا ينافي علوَّه واستواءِه على عرشِه، وقد تقدم الكلامُ على المعيةِ وأنواعِها وشواهدها من القرآنِ الكريم مع تفسيرِ تلك الشواهد، والله أعلم.
الصفحة 4 / 220