بهم، فكيف يكونُ
فوقَ خلقِه مستويًا على عرشه، ويكون مع خلقه قريبًا منهم بدون مُخالَطة؟!
· والجوابُ عن هذه الشُّبهة -كما
وضَّحه الشيخُ رحمه الله - من وجوهٍ:
الوجه الأول: أن هذا لا تُوجِبُه
لغةُ العرب الَّتي نَزَلَ بها القرآنُ الكريمُ، فإنَّ كلمةَ «مع» في
اللُّغة لمطْلَقِ المُصَاحَبَةِ، لا تفيد اختلاطًا وامتزاجًا، ولا مجاورةً، ولا
مماسّةً. فإنَّك تقول: زوجتي معي، وأنت في مكانٍ وهي في مكان آخر. وتقول: ما زلنا
نسير والقمرَ معنا، وهو في السماء، ويكون مع المُسافِرِ وغيرِ المسافر أينما كان،
وإذا صح أن يُقالَ هذا في حقِّ القمر وهو مخلوقٌ صغيرٌ، فكيف لا يُقال في حقِّ
الخالق الَّذي هو أعظم من كلِّ شيءٍ؟!
الوجه الثاني: أنَّ هذا القولَ
خلافُ ما أجمَعَ عليه سلفُ الأمَّة، مِنَ الصَّحَابَة والتَّابعين وتابعيهم «وهم
القرون المُفضَّلَةُ»، الَّذين هم القدوةُ، فقد أجمعوا على أنَّ الله مستوٍ
على عرشه عالٍ على خلقه بائنٌ منهم، وأجمعوا على أنَّه مع خلقِه بعلمِه سبحانه
وتعالى، كما فسَّروا قولَه تَعالَى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمۡ﴾ [الحديد: 4] بذلك.
الوجه الثالث: أنَّ هذا خلافُ ما فَطَرَ اللهُ عليه الخلقَ، أي: ركَّزه في فِطَرِهِمْ، فإنَّ الخلقَ فُطِروا على الإقرار بعلوِّ الله -سبحانه- على خلقه، فإنَّ الخلقَ يتَّجِهُون إلى الله عند الشدائد والنوازل نحو العلوِّ، لا تلتفت يَمنَةً ولا يَسْرةً، من غيرِ أن يرشدَهم إلى ذلك أحدٌ، وإنَّما ذلك مُوجِبُ الفِطْرةِ الَّتي فَطَرَ اللهُ النَّاس عليها.