المعصية وبغضه لها. فقوله: «ومع ذلك» أي:
مع كونه سبحانه هو الَّذي عَلِمَ الأشياء، وقدَّرها، وكتبها، وأرادها، وأوجدها. «فقد
أمرَ العباد بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن معصيته» كما دلَّت على ذلك أدلَّةٌ
كثيرةٌ من الكتاب والسُّنَّة، أَمَرَ فيها بالطَّاعة ونهى عن المعصية، ولا تعارض
في ذلك بين شَرْعِه وَقَدَرِه. كما يَظنُّه بعض الضُّلاّل الَّذين يُعارضون بين
الشرَّع والقدر.
يقول الشَّيخُ رحمه
الله في هذا الموضوع في رسالته [التَّدمريَّة]: وأهلُ الضَّلالِ الخائضون في
القدرِ انقسموا إلى ثلاث فرق: مجوسيَّة، ومُشركيَّة، وإبليسيَّة.
الفرقة الأولى: المجوسيَّة:
الَّذين كذَّبوا بقدرِ اللهِ وإن آمنوا بأمرِه ونهيه؛ فغُلاتهم أنكروا العلمَ
والكتابَ. ومُقْتَصِدُوهم أنكروا عمومَ مشيئتِه وخلقه وقدرته. وهؤلاء هم المعتزلة
ومن وافقهم.
والفرقة الثَّانية: المشركيَّة:
الَّذين أقرُّوا بالقضاءِ والقدر، وأنكروا الأمرَ والنهي، قال تَعالَى: ﴿ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ
لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن
شَيۡءٖۚ﴾ [الأنعام: 148]،
فمن احتجَّ على تعطيل الأمر والنهي فهو من هؤلاء. وهذا قد كثر فيمن يدَّعي
الحقيقةَ من المتصوِّفة.
والفرقة الثَّالثة: وهم الإبليسيَّة: الَّذين أقرُّوا بالأمرين، لكن جعلوا هذا تناقضًا من الربِّ سبحانه وتعالى، وطعنوا في حكمتِه وعدلِه، كما يُذكَرُ ذلك عن إبليسَ مقدمهم، كما نقلَه أهلُ المقالات، ونُقِلَ عن أهلِ الكتاب.