وفي هذا رد على القدرية والجبرية:
فالقدرية: ينفون مشيئة الله لأفعال العباد، ويجعلون للعبد مشيئةً مطلقةً، وأن العبد
مستقل بأفعاله وإرادته ومشيئته، هذا مذهب القدرية من المُعتزلَة وغيرهم.
والجبرية يقولون: العبد ليس له مشيئة، وإنما المشيئة لله فقط، والعبد
يتحرك بدون اختياره ولا إرادته، مثل ما تحرك الآلة.
فطائفة غَلَت في إثبات مشيئة الله وطائفة غلت في إثبات مشيئة العبد.
وأما أَهل السُّنة والجمَاعة: فأثبتوا المشيئتَيْن،
وجعلوا مشيئة العبد مربوطة بمشيئة الله، أخذًا من الآيتين السابقتين؛ فقوله: ﴿وَمَا
تَشَآءُونَ﴾ [التكوير: 29].
فيه إثبات مشيئة العباد، وقوله: ﴿إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾ [التكوير: 29].
فيه إثبات مشيئة الله عز وجل، وفي الآية أن مشيئة العبد ليست مستقِلَّةً،
وإنما هي مربوطة بمشيئة الله؛ لأنه خَلْق من خَلْق الله، خَلَقه وخَلَق مشيئتَهُ
وخَلَق إرادتَهُ؛ ولهذا لما قال بعض النَّاس للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء
الله وشِئتَ، قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ
نِدًّا؟!» أي: شريكًا في المشيئة «قُلْ:
مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ» ([1]).
ولما بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، أنكر ذلك وقال: «قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ»، فجعل مشيئته مرتَّبةً
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (2117)، وأحمد رقم (2561)، وابن خزيمة رقم (2461).
الصفحة 2 / 224