وإن
لم يكونوا تائِبِين، بعد أن لَقُوا الله عارفين «مؤمنين» وهم في مَشيئَتِه
وحُكمِه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: ﴿وَيَغۡفِرُ
مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ [النساء: 48]، وإن شاء عذَّبهم في النَّار بعدله
****
نعم، هذا هو المذهب الحق: أن أصحاب الكبائر التي دون الشِّرك ليسوا كفارًا،
وأنهم إذا لقوا الله ولم يتوبوا من هذه الكبائر فإنهم تحت المشيئة، إن شاء عذبهم
بقدر ذنوبهم، ثم يخرجهم من النَّار ويدخلهم الجنَّة بتوحيدهم وإيمانهم، لا يخلدون
في النَّار، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ
أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ [النساء: 48] لكن
قوله: «عارفين مؤمنين» فيه إجمال، فلو قال: «موحدين» كما قال أولاً لكان أحسن.
وإن شاء الله أمضى فيهم الوعيد، ولكنهم لا يخلدون في النَّار، هذا مذهب
أَهل السُّنة والجمَاعة، وهذا هو المذهب الحق، بخلاف الخوارج الذين يقولون: إنهم
في النَّار على أي حال، وإنهم خالدون فيها، فمن دخل النَّار عندهم لا يخرج منها،
وخلاف المرجئة القائلين: إنهم لا يمرون على النَّار أبدًا.
فهذا غلط، بل لا نضمن لهم النجاة، فهم تحت المشيئة؛ إن شاء عفا عنهم بفضله، وإن شاء عذبهم بعدله، وما ظلمهم الله سبحانه وتعالى، بل عذبهم بأعمالهم التي أوجبت لهم ذلك، فالله لا يعذب مَن لم يعصه، ولا يساوي بين العاصي وبين المؤمن المستقيم، ﴿أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٣٥مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٣٦﴾ [القلم: 35، 36]، ﴿أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصفحة 1 / 224