الصفةُ الرابعة: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ ﴾ من المخلوقات.
ويدخل في ذلك أفعالُ
العباد؛ فهي خَلْقُ اللهِ وفِعل العبد: ﴿فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا﴾ أي: قدّر كل شيء
مما خلق من الآجال والأرزاق والسَّعادَة والشقاوة، وهيأ كل شيء لما يصلح له.
قال ابن كثير: «نزَّه
نفسَه عن الولد وعن الشريك، ثم أخبر أنه خلَق كلَّ شيءٍ فقدره تقديرًا، أي: كلُّ
شيءٍ مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالقُ كلِّ شيءٍ وربه ومليكه وإلهه، كلُّ شيءٍ
تحتَ قهرِه وتدبيرِه وتسخيرِه وتقديره». انتهى.
قوله: ﴿مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٖ وَمَا كَانَ
مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ﴾ في هذه الآية يُنزِّه
تَعالَى نفسَه على أن يكونَ له ولدٌ أو شريكٌ في المُلك والتصرف والعبادة، و﴿ مِنۡ﴾ في الموضعين لتأكيد
النفي؛ ﴿ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ بِمَا خَلَقَ ﴾ هذا استدلال لما
سبق في أول الآية من نفي الولد والشريك في الألوهية، أي: لو قُدر تعدد الآلهة
لانفرد كلٌّ منهم عن الآخر بما خلق، وحينئذ لا يَنتظِمُ الكونُ لوجود الانقسام،
والواقع المشاهد أن الكونَ منتظمٌ أتمَّ انتظام، لم يحصُلْ فيه تعدد ولا انقسام، ﴿وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ﴾ أي: ولو كان معه
إله آخر لكان كل منهم يطلب قهر الآخر ومخالفته، فيعلو بعضهم على بعض كحال ملوك
الدنيا، وحينئذ فذلك المغلوب الضعيف لا يستحق أن يكون إلهًا.
وإذا تقرَّر بطلانُ
المشارك تعيَّن أن يكونَ الإلهُ واحدًا هو الله وحده، ولهذا قال: ﴿ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ من الشريك والولد