وزَعَمُوا أنَّهم لا يفْعلون شيئًا، وإنَّما
اللهُ هو الفاعل، والعبدُ مجبورٌ على فعلِه، فحركاتُه وأفعالُه كلُّها
اضِّطراريَّةٌ، كحركاتِ المُرتَعِش، وإضافةُ الفعلِ إلى العبدِ مجازٌ.
«والقَدَرِيَّة» نِسبةٌ إلى
القَدَرِ، غَلَوْا في إثباتِ أفعال العباد، فقالوا: إنَّ العبدَ يَخلُق فعلَ نفسِه
بدون مشيئةِ اللهِ وإرادته، فأفعالُ العبادِ لا تدخلُ تحتَ مشيئةِ الله وإرادتِه،
فالله لم يُقدِّرْها ولم يُرِدْها، وإنَّما فعلوها هم استقلالاً.
وأهلُ السُّنَّةِ: توسَّطوا، وقالوا:
للعبدِ اختيارٌ ومشيئةٌ وفعلٌ يَصدرُ منه، ولكنَّه لا يفعلُ شيئًا بدونِ إرادةِ
اللهِ ومشيئتِه وتقديرِه، قال تَعالَى: ﴿وَٱللَّهُ
خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]. فأثبتَ
للعبادِ عملاً هو من خلقِ اللهِ تَعالَى وتقديرِه. وقال تَعالَى: ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ
أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [التكوير: 29]،
فأثبتَ للعبادِ مشيئةً تأتي بعد مشيئةِ الله -تَعالَى-. وسيأتي لهذا مزيدُ إيضاحٍ
-إن شاء الله تَعالَى- في مبحثِ القدر.
ثالثًا: وأهلُ السُّنَّةِ
والجَماعَة وَسَطٌ «في باب وعيد الله». الوعيد: التَّخويفُ والتَّهديدُ،
والمراد هنا: النُّصوصُ الَّتي فيها توعُّدٌ للعصاةِ بالعذابِ والنَّكال، وقولُه:
«بين المُرجئة والوَعيديَّة من القَدرِيَّة وغيرهم»، «المُرجئة»: نسبةٌ
إلى الإرجاءِ وهو التَّأخير، سُمُّوا بذلك؛ لأنَّهم أَخَّروا الأعمالَ عن مُسمَّى
الإِيمَان، إذ زعموا أنَّ مرتكبَ الكبيرةِ غيرُ فاسق، وقالوا: لا يضرُّ مع
الإِيمَان ذنب، كما لا ينفعُ مع الكفرِ طاعة، فعندهم أنَّ مرتكبَ الكبيرة كاملُ
الإِيمَان غيرُ معرضٍ للوعيد،