قلب المؤمن بالحجَّةِ والبرهان. وتثبيتُ
المؤمنين بها في الدُّنيا: أنَّهم يَتمسَّكُون بها، ولو نالهم في سبيلِها ما نالهم
من الأذى والتعذيب. وتثبيتُهم بها في الآخرَة: توفيقُهم للجواب عند سؤال الملكين.
وقوله: «وأما
المُرتَابُ» أي: الشَّاكُّ «فيقول» إذا سُئِلَ: «هَاهْ هَاهْ» كلمة
تردُّد وتَوجُّع «لا أدري، سَمعتُ النَّاس يقولون شيئًا فقلتُه»؛ لأنَّه
غيرُ مُؤمنٍ بما جاء به الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فيُستَعْجَمُ عليه الجوابُ،
ولو كان من أعلم النَّاس وأفصحِهم، كما قال تَعالَى: ﴿
وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ ﴾ [إبراهيم: 27]. «فَيُضْرَبُ
بِمِرْزَبَةٍ مِن حَديْدٍ»: وهي المِطرَقَةُ الكبيرة «فيَصِيحُ صيحةً
يَسمَعُها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإِنسَان». ثمِّ بيَّن الحكمةَ مِن عَدمِ سَماعِ
الإِنسَان لها بقوله: «وَلَو سَمِعَها الإِنسَان لَصَعِقَ» أي: خَرَّ
مَيْتًا أو غُشِيَ عليه، ومن حكمةِ اللهِ أيضًا أن ما يجري على الميِّت في قبره لا
يُحِسُّ به الأحياءُ؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى جعله من الغيب، ولو أظهره لفاتت الحكمةُ
المطلوبةُ، وهي الإِيمَان بالغيب.
الأمر الثاني: ممَّا يجري على
الميِّتِ في قبرِه ما أشار إليه الشَّيخ بقوله: «ثمَّ بعد الفِتنةِ إمَّا
نَعيمٌ وإمَّا عذابٌ إِلى أن تقومَ القِيامةُ الكُبرى» هذا فيه إثباتُ عذابِ
القبر أو نعيمِه. ومذهب أهل السُّنَّة والجَماعَة: أنَّ الميِّتَ إذا مات يكون في
نعيمٍ أو عذابٍ، وأنَّ ذلك يَحْصُلُ لِرُوحِه وبَدَنِه، كما تواترت به الأحاديثُ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإِيمَان به، ولا يُتَكَلَّمُ في كيفيته
وصفته؛ لأنَّ ذلك لا تُدركه العقولُ؛ وهو من أمورِ الآخرَة، وأمورُ الآخرَة لا
يعلمُها، إلا اللهُ ومَن أَطْلَعَهُم اللهُ على شيءٍ منه، وهم الرُّسُل صلوات الله
وسلامه عليهم.