العبد مستقلَّةٌ بإيجاد الفعل، من غيرِ توقُّفٍ
على مشيئةِ الله. وهذا باطلٌ؛ لأنَّ اللهَ علَّق مشيئةَ العبادِ على مشيئتِه
سبحانه، وربطها بها.
قوله: «وهذه الدَّرجة
من القدر» وهي عمومُ مشيئته، وإرادتِه لكلِّ شيء، وعموم خلقِه لكلِّ شيء، وأنَّ
العبادَ فاعلون حقيقةً، واللهُ خالقُهم وخالقُ أفعالِهم. «يُكَذِّب بها عامَّةُ
القدرية» النُّفاة، إذ يزعمون أنَّ العبدَ يخلقُ فعلَ نفسِه بدون مشيئةِ اللهِ
وإرادتِه. «الذين سمَّاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمَّة»؛
لمشابِهتهم المجوس الَّذين يُثْبِتُون خَالِقَيْنِ: هما: النور، والظُلْمة.
فيقولون: إنَّ الخيرَ من فِعْل النور، والشر من فِعْل الظُلْمة، فصاروا
ثَنَويَّةً. وكذلك هؤلاء القدريَّة جعلوا خالقًا مع الله؛ إذ زعموا أنَّ العبادَ
يَخلقون أفعالَهم بدونِ إرادةِ الله ومشيئته، بل يستقلُّون بخلقها، ولم يثبتْ أنَّ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم سمَّاهم مجوسَ هذه الأمَّة؛ لتأخُّر ظهورِهم عن وقتِ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأكثرُ ما يجيءُ من ذَمِّهم إنَّما هو موقوفٌ على
الصَّحَابَة.
وقوله: «ويَغْلُو
فيها» أي: هذه الدَّرجة من القدر. والغُلوُّ هو الزِّيادَة في الشيءِ عن الحدِّ
المطلوب «قوم من أهل الإثبات»: فاعل يغلو، والمرادُ بهم الجبرية الَّذين
قالوا: إنَّ العبدَ مجبرٌ على فعلِه «حتَّى سلبوا العبد قدرته واختياره».
فالأوَّلون غَلَوْا
في إثباتِ أفعالِ العباد؛ حتَّى أخرجوها عن مشيئةِ الله، وهؤلاء غَلَوْا في نفي
أفعالِ العباد؛ حتَّى سلبوهم القدرةَ والاختيارَ.