في النَّار في
الآخرَة وعدم خروجه منها إذا دخلها «كما تقوله المعتزلة» والخَوارِج،
فالمعتزلة يَرون أنَّ الفاسق لا يُسمَّى مسلمًا ولا كافرًا، بل هو عندهم بالمنزلة
بين المنزلتين، هذا حكمه عندهم في الدُّنيا، وأمَّا حكمه عندهم في الآخرَة فهو
مخلَّدٌ في النَّار، والأدلَّة على بطلان هذا المذهبِ كثيرة، وقد مرَّ بعضها،
وسيأتي ذكرُ بقيَّتها.
ثمَّ بيَّن الشيخُ
رحمه الله الحكمَ الصَّحيحَ الَّذي ينطبقُ على الفاسقِ الملِّيَّ مُؤَيّدًا
بأدلَّته من الكتاب والسُّنة، فقال: «بل الفاسقُ يدخلُ في اسمِ الإِيمَان المطلق»
أي: مطلق الإِيمَان الذي يدخلُ فيه الإِيمَان الكاملُ والإِيمَان النَّاقصُ كما في
قولِه: ﴿ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ ﴾ [النساء: 92] فإنَّ
من أَعتَقَ رقبةً مؤمنةً وإنْ كان المُعتَقُ فاسقًا فيما يَشترط فيه إيمانَ الرقبة
المُعتَقة -ككفارة الظِّهارِ والقتل- أجزأه ذلك العتقُ باتِّفاق العلماءِ؛ لأنَّ ذلك
يَدخلُ في عموم الآية وإن لم يكن المعتَق من أهل الإِيمَان الكامل.
وقوله: «وقد لا
يدخل» أي: الفاسق الملِّيَّ «في اسم الإِيمَان المطلَق» أي: إذا أُريد
بالإِيمَان الكامل كما في قوله تَعالَى: ﴿ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا
ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ﴾ [الأنفال: 2] الآية؛ لأنَّ
المرادَ بالإِيمَان المذكورِ في الآيةِ الكريمةِ الإِيمَان الكاملُ فلا يدخلُ فيه
الفاسقُ؛ لأنَّ إيمانَه ناقصٌ. ولنرجع إلى تفسيرِ الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا ﴾: أداة حصرٍ تُثبِتُ
الحُكمَ للمَذكُور وتَنفِيه عمَّا سواه ﴿ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ﴾ أي: الإِيمَان الكامل ﴿ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ ﴾ أي: ذُكرت عظمتُه
وقدرتُه وما خَوَّفَ به من عصاه ﴿ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ﴾ أي: خافت. ﴿ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ﴾