ليس لهم فيه اختيار، وليس
لهم فيه استطاعة، وإنما الله يعذب العبد على فعل غيره، ويثيبه على شيء لم يفعله،
وهذا المذهب أخبث المذاهب.
القول الثاني - وهو مضادٌّ للقول الأول تمامًا، وهو قول المُعتزلَة -
يقولون: الأفعال من إنتاج العبد وإرادته المطلقة ومشيئته، وليس لله تدخُّل فيها،
وإنما العبد هو الذي يخلق فِعل نفسه، فهؤلاء غَلَوا في إثبات قدرة العبد.
ويلزم من قولهم أن الله عاجز، وأن الله يشاركه غيره في الخلق والإيجاد،
وهذا قول المجوس، ولذلك المُعتزلَة سُمُّوا: مجوس هذه الأمة ([1])؛ فالمجوس يقولون:
إن للكون خالِقَيْن: خالق للخير وخالق للشر، والمُعتزلَة زادوا عليهم وقالوا: كلٌّ
يخلق فعل نفسه، فأثبتوا خالِقِين.
والمذهب المتوسط مذهب أَهل السُّنة والجمَاعة، على ضوء الكتاب والسنة،
قالوا: أفعال العباد هي فعلهم بإرادتهم ومشيئتهم، وهي خلق الله عز وجل: ﴿وَٱللَّهُ
خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات: 96].
﴿ٱللَّهُ
خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ﴾ [الزمر: 62].
﴿هَلۡ مِنۡ
خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [فاطر: 3].
فالله منفرد بالخلق والتقدير، والعبد له مشيئته وإرادته، وله فعل، فهو باختياره يذهب إلى المسجد، وباختياره يذهب إلى المسارح؛ لأن عنده
([1])أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).