وقال تعالى عن الكفَّار: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن
رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15]؛ فإذا كان
الكفَّار محجوبين عن الله، أي: لا يرونه؛ لأنهم كفروا به في الدُّنيا فهم محجوبون
عن النظر إليه يوم القيامة، وهذا أعظم حرمان وأعظم عذاب، والعياذ بالله؛ فدلت
الآية على أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن الله يوم القيامة، وأنهم يرونه بالنظر
إليه في الآخرة؛ لأنهم آمنوا به في الدُّنيا ولم يروه، وإنما استدلوا عليه سبحانه
بآياته ورسالاته، فالله أكرمهم بالنظر إليه يوم القيامة.
والنظر إلى وجه الله عز وجل أعظم نعيم في الجنَّة.
هذا مذهب أَهل السُّنة والجمَاعة، وهذه بعض أدلتهم من القرآن.
وأما أدلتهم من السنة فكثيرة جدًّا بلغت حدَّ التواتر، كما قال العلامة ابن
القيِّم في كتابه القيم «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح»، وساق الأحاديث الواردة
في الرؤية وقد بلغت حد التواتر.
منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، - أو: لاَ تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ -» ([1]). يعني: لا تزدحمون على رؤية الله عز وجل؛ لأن كلَّ واحد يرى الرب وهو في مكانه من غير زحام كما أن النَّاس يرون الشمس والقمر من غير زحام؛ لأن العادة إذا كان الشيء في الأرض وخفي يزدحمون على رؤيته، ولكن إذا كان الشيء مرتفعًا كالشمس والقمر فإنهم لا يزدحمون على رؤيته، كلٌّ يراه وهو
([1])أخرجه: البخاري رقم (554)، ومسلم رقم (182).